صِراطِ اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ) (٥٣)
[الشورى : ٥٢ ، ٥٣].
هذه الآيات الكريمة بعباراتها وإشاراتها البيانية ، وسياقها تدل على ابتداء الرسالة المحمدية ، وانتهاء أمر الناس فى الأخذ بها ، وعاقبة من اهتدى ، ومن ضل وعصى وغوى.
وإذا نظرت إلى الآيات الكريمات مع ما سبقها وجدتها كلاما متآخيا ، يندمج بعضه فى بعضه فى ائتلاف لا نفرة فيه ، فالآية قبلها تبين طرق كلام الله تعالى لخلقه ، فقد قال تعالى قبل هذه الآيات : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ) (٥١) [الشورى : ٥١].
ولنبتدئ بالإشارات البيانية التى وعدنا أن ننبه إلى بعضها ، فليست لنا الطاقة إلى إدراك كلها ، ولعل غيرنا يدرك بعضا آخر ، ولا أحسب أننا جميعا نصل إلى كنه إشاراتها.
فهنا نجد كلمة «كذلك» تربط هذه الآيات بما فيها ، فهى تدل على المؤاخاة بينهما ، وهى تشير إلى علو الله فى المعنى الذى قرره «إنه على حكيم» وتشير إلى حكمة اختيار الطريقة فى الرسالة المحمدية.
ولننظر فى الألفاظ نجد التآلف بينها فى النطق والنغم ، أفلا نجد ائتلافا بين كلمة أوحينا ، وكلمة روحا ، وكلمة من أمرنا ، لا أنبه إلى ما فيه من تآلف فى النطق ، وتآخ فى المخارج والنغم ، فذلك بين لا يحتاج إلى بيان ، وهو يتصل بالذوق والجرس فى السمع ، فهو يدرك بالحس ، ولا ينبه إليه بالمعنى.
ولكن نريد أن ننبه إلى التآخى فى المعنى لكل كلمة سيقت ، وما تتسع له كل واحدة من معان تتلاقى مع أخواتها وتأتلف فتعطى صورة بيانية رائعة.
فكلمة أوحينا تدل على أن خطاب الله تعالى لرسله لا يكون جهرا يعلمه كل واحد ، ويسمعه كل إنسان ، فهو خطاب لرسول ، والرسالة بمجرى الأمور تكون بين المرسل وبين من يرسله ، والتعبير بأوحينا إبطال لقول من يقولون : (أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً) أو قول من يقولون عن جهل بالله ورسالاته الذين يقولون : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ) أى نراه ونحسه ولذا رد الله تعالى قولهم بقوله : (وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ (٨) وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ) (٩) [الأنعام : ٨ ، ٩]
فكلمة أوحينا مع حلاوة لفظها فيها إشارة إلى هذه المعانى فى عمومها ، ولم يبين نوع الوحى ، إذ هو على ضروب مختلفة متعددة بالنسبة لخطاب الله تعالى لأنبيائه