سبحانه : من نشاء من عبادنا. فبين سبحانه سلطانه على القلوب ، وخص بالهداية من شرفه بأنه من عباده ، تعالى سلطانه ، وقام عدله ، وفى هذا إشارة بيانية إلى أن الذى شاء الله تعالى هدايته هو من خلّص نفسه ، وجعلها لله وحده ، وشرف بأنه من عباد الله لا من إخوان الشياطين.
ولقد شرف الله تعالى نبيه بأن نسب إليه هداية الإرشاد ، وبيان السبيل فهو نور معه نور الكتاب ، ولذا قال تعالى : (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) أكد الله تعالى عمل النبى صلىاللهعليهوسلم ببيان سبيل الحق والدعوة إليه ، وأنه المستقيم الذى لا عوج فيه ولا اضطراب.
فهنا هدايتان : أولاهما هداية التوجيه والإرشاد وبيان الحق ودعوته ، وهى للرسل لكيلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ، فمن علم واستنار واهتدى فلنفسه ، ومن ضل فإنما يضل عليها ، وما الله بظلام للعبيد. والهداية الثانية العليا ، وهى امتلاء القلب بالإيمان بعد أن سار فى طريقه وأرشد إليه ، وهذا لمن يشاء الله هدايته من عباده المؤمنين.
وقد ذكر الله تعالى من بعد ذلك الحكم العدل بإعطاء الطائع جزاءه من ثواب ، وما يستحقه العاصى من عقاب ، فقال تعالى : (أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ) أى وإليه وحده مآل الأعمال كلها ، وكل امرئ بما كسب رهين ، فمن عمل صالحا فله جزاؤه ومن عصى وبغى نال عاقبة ما عمل.
ونرى من هذا تآخى المعانى فى الآيات ، وتسلسل ما ترمى إليه ، فبين أولا بعث النبى صلىاللهعليهوسلم ، وإعطاءه الدليل بمعجزة القرآن الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وذكر ثانيا الحجة على صدق القرآن ، ثم أشار إلى أنه نور ، وذكر أن النبى صلىاللهعليهوسلم علمه الإرشاد وبيان الحق والطريق إليه ، وأن الهداية من بعد ذلك.
هذا تآخى المعانى ، وكون كل معنى مقدم للذى يليه ، والتالى مبنى عليه ودعامة لما بعده ، أما تآلف الألفاظ فى النغم والحروف ، فأمر فوق طاقة البشر.
وإنه ليتألف من هذا الكلام صور بيانية للوحى ، والقرآن ونوره وهداية الأنبياء وموضعها ، وهداية الله تعالى ، وثمرتها فى القلوب ، وكونه لعباد الله المخلصين ، لا لعبدة أهوائهم وشهواتهم.