سورة الأنفال
(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ) الأنفال ـ النفل : الغنيمة بعينها ، لكن اختلفت العبارة عنها ، فإذا اعتبر بكونه مظفورا به يقال له : غنيمة ، وإذا اعتبر بكونه منحة من الله تعالى يقال له : نفل ، ومنهم من فرق بينهما من حيث العموم والخصوص فقال : الغنيمة : ما حصل مستغنما بتعب كان أو عن استحقاق وقبل الظفر أو بعده ، والنفل : ما حصل للمسلمين بغير قتال وهو الفيء ، وقيل : هو ما يفضل من المتاع ونحوه بعد ما تقسم الغنائم ، وعلى ذلك حمل قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ).
وأصل ذلك النفل والزيادة على الواجب ، ويقال له : النافلة ، ويطلق ذلك على ولد الولد ، وتقول : نفلته كذا ، إذا أعطيته نفلا ، ونفله السلطان : أعطاه سلب قتيله نفلا ، والنّوفل : الكثير العطاء ، والنوفل : البحر ، ونوفل : اسم رجل ، والنوفلة : الممحلة ، والسؤال على وجهين : سؤال استعلام ، وسؤال الطلب ، وهو هاهنا استعلام لأنه عدّي بعن وقيل : عن هاهنا مزيدة والسؤال للطلب ، وقيل : " عن" بمعنى" من" ، وفي الغريب عن ابن مسعود وجماعة : " يسألونك الأنفال" من غير" عن" ، سألوه الغنيمة دون الاستفتاء فيها.
(وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ) أي : راعوا الأحوال التي تجمعكم من القرابة والوصلة لأن ذات تأنيث ذو وهو بمعنى صاحب ، ويأتي ذو بمعنى الذي في لغة طي كقوله :
ذاك خليلي وذو يواصلني
(ذاتِ الشَّوْكَةِ) أي : صاحبة الشوكة ، وقيل الشوكة : شدة الحرب وكلاهما مشتق من الشوك ، واستعار أهل المعاني" الذات" فجعلوها عبارة عن عين الشيء جوهرا كان أو عرضا ، واستعملوها مفردة ومضافة إلى الضمير بالألف واللام وأجروه مجرى النفس والخاصة فقالوا : ذاته ونفسه وخاصته.
(مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ) (١) قرئ بفتح الدال وكسرها فمن فتح جعله اسم مفعول من أردف إذا جعل بعده مثله ، ومن كسر جعله اسم فاعل من أردف أو من ردف ، والمعنى مع كلّ : ملك ملك ، وقيل : جاءوا على آثارهم لأن الرديف خلف
__________________
(١) قرأ بفتح الدال نافع وأبو جعفر ويعقوب.