إلى الله ، وعرض عليهم نفسه ، فلم يكن أحد من العرب أقبح عليه ردا منهم.
ه ـ وفي رواية : أنه أتى بني عامر بن صعصعة ، فدعاهم إلى الله ـ عزوجل ـ وعرض عليهم نفسه ، فقال له رجل منهم يقال له بيحرة بن فراس والله لو أني أخذت هذا الفتى من قريش لأكلت به العرب.
ثم قال له : أرأيت إن نحن تابعناك على أمرك ، ثم أظهرك الله على من خالفك ، أيكون لنا الأمر من بعدك؟ قال : «الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء».
قال : فقال له : أفنهدف نحورنا (١) للعرب دونك ، فاذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا؟!! لا حاجة لنا بأمرك ، فأبوا عليه ، فلما صدر الناس رجعت بنو عامر إلى شيخ لهم قد كانت أدركته السن حتى لا يقدر أن يوافي معهم المواسم ، فكانوا إذا رجعوا إليه حدثوه بما يكون في ذلك الموسم ، فلما قدموا عليه ذلك العام سألهم عما كان في موسمهم ، فقالوا : جاءنا فتى من قريش ، ثم أحد بني عبد المطلب ، يزعم أنه نبيّ يدعونا إلى أن نمنعه ، ونقوم معه ، ونخرج به إلى بلادنا ، قال : فوضع الشيخ يديه على رأسه ، ثم قال : يا بني عامر ، هل لها من تلاف؟ هل لذناباها من مطلب؟ والذي نفس فلان بيده ما تقوّلها إسماعيليّ قطّ ، وإنها لحق ، فأين رأيكم كان عنكم؟
قال ابن إسحاق : فكان رسول الله (ص) على ذلك من أمره ، كلما اجتمع له الناس بالموسم أتاهم يدعو القبائل إلى الله وإلى الاسلام ، ويعرض عليهم نفسه ، وما جاء به من الله من الهدى والرحمة ، وهو لا يسمع بقادم يقدم مكة من العرب له اسم وشرف إلا تصدّى له ، فدعاه إلى الله ، وعرض عليه ما عنده.
***
هكذا كان ديدن النبي (ص) مع قبائل العرب في موسم الحجّ ، حتى لقي رهطا من الخزرج ، فدعاهم الى الاسلام ، وتلا عليهم القرآن ، وكانوا قد سمعوا
__________________
(١) «أفنهدف نحورنا» معناه نصيرها هدفا ، والهدف : الغرض الذي يرمى بالسهام إليه.