فعاشوا بوئام وإخاء حتى إذا انتهوا من معركة غزوة بني المصطلق وقعت أوّل منافرة بينهما عند ما وردت واردة الناس على ماء المريسيع ، فازدحم على الماء جهجاه بن مسعود وهو يقود فرس عمر بن الخطاب ، وسنان بن وبر الجهني حليف الخزرج ، فاقتتلا ، فصرخ الجهني يا معشر الأنصار!
وصرخ جهجاه : يا معشر المهاجرين!
فغضب عبد الله بن أبي بن سلول الخزرجي رئيس المنافقين وعنده رهط من قومه ، فقال : أو قد فعلوها ، قد نافرونا ، وكاثرونا في بلادنا! والله ما عدنا وجلابيب قريش هذه إلا كما قال الاول : «سمن كلبك يأكلك»!
أما والله لان رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ.
ثم قال لمن حضره من قومه : هذا ما فعلتم بأنفسكم ، أحللتموهم بلادكم ، وقاسمتموهم أموالكم ، أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم ، لتحوّلوا إلى غير داركم.
فبلغ ذلك رسول الله ، وأشاروا عليه بقتله ، فلم يقبل ، وإنّما عالج الامر بحكمة ، حيث أمر بالرحيل في غير ساعة الرحيل ، وسار بالناس يومهم ذلك حتى أصبح ، وصدر اليوم الثاني حتى آذتهم الشمس ، فلما نزل بهم ومس جلدهم الأرض ، وقعوا نياما وبذلك شغلهم عن حديث المنافرة.
وفي هذه الواقعة نزلت سورة (المنافقون) ومنها الآية / ٨
(يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ)
وبلغ حسان بن ثابت الانصاري الذي وقع بين جهجاه وبين الفتية
__________________
ـ أما عرب الجنوب فينتسبون إلى الازد وسبأ وقحطان والازد هو ابن الغوث بن نبت بن مالك ابن كهلان بن سبأ. وسبأ هو ابن يشجب بن يعرب بن قحطان (جمهرة أنساب العرب ٣١٠ ـ ٣١١).