فليس هناك سبيل إلا الزحف والقتال ، أو الهجرة إن كان هناك سبيل إليها ، وكذلك القبيلة التي غلبت على أمرها وحرمت من مراعيها وأراضيها ليس أمامها سبيل آخر سوى الهجرة.
والمرأة البدوية ترفض الزواج من غني ، إذا كان ابن صانع ، أو أنّه من سلالة العبيد ، أو كان نسبه القبيلي يحيط به شيء من الشّكّ ، فسلطان المال لا قيمة له عند العرب ومع وجود هذه الروح الارستقراطية الّتي تتجلّى فقط في الزواج ورئاسة القبيلة والحكم ، فإنّه لا يكاد يوجد فارق في طرق المعيشة الأخرى.
ومن عادة القسم الأكبر من سكان الجزيرة ـ ولا سيما البدو ـ مخاطبة رؤسائهم بأسمائهم أو بألقابهم ، لأنهم لا يعرفون الألقاب وألفاظ التعظيم والتفخيم ، فيقولون يا فلان ويا أبا فلان ويا طويل العمر.
والبدوي لا ينسى المعروف ، ولا ينسى الإساءة كذلك ، فإذا أسيء إليه ، ولم يتمكن من ردّ الإساءة في الحال ، كظم حقده في نفسه ، وتربص بالمسيء ، حتى يجد فرصته فينتقم منه ، فذاكرة البدوي ذاكرة قوية حافظة لا تنسى الأشياء.
وللبدو مهارة فائقة في اقتفاء الأثر ، وكثيرا ما كانت هذه المعرفة سببا في اكتشاف كثير من الجرائم ولا تكاد تخلو قبيلة من طائفة منهم.
والقبائل العريقة المشهورة من حضر وبادية تحافظ على أنسابها تمام المحافظة وتحرص عليها كل الحرص ، فلا تصاهر إلّا من يساويها في النسب. والقبائل المشكوك في نسبها لا يصاهرها أحد من القبائل المعروفة.
وإنّ من الصعب عليه نبذ ما كان عليه آباؤه وأجداده من عادات وتقاليد فالتقاليد والعرف وما تعارفت عليه القبيلة هي عنده قانون البداوة ، وقانون البداوة دستور لا يمكن تخطيه ولا مخالفته ، ومن هنا يخطئ من يظنّ أنّ البداوة حريّة لا حدّ لها ، وفوضى لا يردعها رادع ، وأنّ الأعراب فرديّون لا يخضعون