لنظام ولا لقانون على نحو ما يتراءى ذلك للحضري أو للغريب.
إنّهم في الواقع خاضعون لعرفهم القبيلي خضوعا صارما شديدا ، وكلّ من يخرج عن ذلك العرف يطرد من أهله ويتبرأ قومه منه ، ويضطر أن يعيش طريدا أو صعلوكا مع بقية الصعاليك.
والعربي رجل جاد صارم ، لا يميل إلى هزل ولا دعابة ، فليس من طبع الرجل أن يكون صاحب هزل ودعابة ، لأنّهما من مظاهر الخفّة والحمق ، ولا يليق بالرجل أن يكون خفيفا ، لهذا حذر في كلامه وتشدّد في مجلسه ، وقلّ في مجتمعه الإسفاف ، وإذا كان مجلس عام ، أو مجلس سيد قبيلة ، روعي فيه الاحتشام والابتعاد عن قول السخف ، والاستهزاء بالآخرين ، وإلقاء النكات والمضحكات ، حرمة لآداب المجالس ومكانة الرجال.
وإذا وجدوا في رجل دعابة أو ميلا إلى الضحك أو إضحاك عابوه عليه وانتقصوا من شأنه كائنا من كان.
وعبارة مثل «لا عيب فيه غير أنّ فيه دعابة» أو «لا عيب فيه إلّا أنّ فيه دعابة» هي من العبارات الّتي تعبّر عن الانتقاص والهمز واللمز.
والبدوي محافظ متمسك بحياته وبما قدر له ، معتزّ بما كتب له وإن كانت في حياته خشونة وصعوبة ومشقة.
ولهذا كان للقبيلة قيمتها في بلاد العرب ، فالإنسان يقوى بأبنائه وأبناء عمومته الأقربين والأبعدين ، وإذا كانت القبيلة ضعيفة استقوت بالتحالف مع سواها حتّى يقوى الفريقان ويأمنا شر غيرهما من القبائل القويّة.
وقد جرى العرف أنّ القبائل تعتبر الأرض الّتي اعتادت رعيها ، والمياه الّتي اعتادت أن تردها ملكا لها. لا تسمح لغيرها من القبائل الأخرى بالدنو منها إلّا بإذنها ورضاها ، وكثيرا ما تأنس إحدى القبائل من نفسها القوة فتهجم بلا سابق إنذار على قبيلة أخرى ، وتنتزع منها مراعيها ومياهها.
إن قبائل العرب ليسوا كلّهم سواء في الشرّ والتعدّي على السابلة