موءودة قط إلّا بنية لي ولدتها أمّها وأنا في سفر فدفعتها أمّها إلى أخوالها فكانت فيهم ؛ وقدمت فسألت عن الحمل ، فأخبرتني المرأة أنها ولدت ولدا ميتا.
ومضت على ذلك سنون حتى كبرت الصبية ويفعت فزارت أمّها ذات يوم ، فدخلت فرأيتها وقد ضفرت شعرها وجعلت في قرونها شيئا من خلوق ونظمت عليها ودعا ، وألبستها قلادة جزع ، وجعلت في عنقها مخنقة بلح : فقلت : من هذه الصبية فقد أعجبني جمالها وكيسها؟ فبكت ثم قالت : هذه ابنتك ، كنت خبرتك أنّي ولدت ولدا ميتا ، وجعلتها عند أخوالها حتّى بلغت هذا المبلغ. فأمسكت عنها حتّى اشتغلت عنها ، ثم أخرجتها يوما فحفرت لها حفيرة فجعلتها فيها وهي تقول : يا أبت ما تصنع بي؟! وجعلت أقذف عليها التراب وهي تقول : يا أبت أمغطيّ أنت بالتراب؟! أتاركي أنت وحدي ومنصرف عني؟! وجعلت أقذف عليها التراب ذلك حتّى واريتها وانقطع صوتها ، فما رحمت أحدا ممن واريته غيرها. فدمعت عينا النبي (ص) ثم قال : «إنّ هذه لقسوة ، وإنّ من لا يرحم لا يرحم» (١).
وقال القرطبي :
انّ قيس بن عاصم سأل النبي (ص) وقال : يا رسول الله! إنّي وأدت ثماني بنات كنّ لي في الجاهلية.
قال : «فأعتق عن كلّ واحدة منهم رقبة».
قال : يا رسول الله إنّي صاحب إبل.
قال : «فأهد عن كلّ واحدة منهن بدنة إن شئت» (٢).
__________________
(١) الأغاني ط. ساسي ١٢ / ١٤٤ وط. بيروت ١٤ / ٦٦. والخلوق : ضرب من الطيب ، والودع : خرز بيض أجوف في بطونها شقّ كشقّ النواة تتفاوت في الصغر والكبر والواحدة : ودعة والجزع : الخرز اليماني الصيني فيه سواد وبياض والمخنقة : القلادة وكيسها : عقلها.
(٢) القرطبي ، التفسير الجامع ، ١٩ / ٢٣٣ و (ثماني) في النص كذا : ثمان.