ولم يكن لهم شيء يرجعون إليه من أحكامهم وأفعالهم إلا الشعر ، فبه كانوا يختصمون ، وبه يتمثلون ، وبه يتفاضلون ، وبه يتقاسمون ، وبه يتناضلون ، وبه يمدحون ويعابون.
فكان ممن قدم شعره في جاهلية العرب على ما اجتمعت عليه الرواة وأهل العلم بالشعر ، وجاءت به الآثار والأخبار من شعراء العرب في جاهليتها مع من أدركه الاسلام ، فسمّي مخضرما ، فإنهم دخلوا مع من تقدم ، فسموا الفحول ، وقدّموا على تقدّم أشعارهم في الجودة ، فإن كان بعضهم أقدم من بعض وهم على ما بينا من أسمائهم ومراتبهم على الولاء ، فأوّلهم امرؤ القيس بن حجر بن الحارث بن عمرو آكل المرار بن معاوية بن ثور ، وهو كندة.
ثم ذكر أسماء ثمانية وثمانين شاعرا بأنسابهم (١).
وفي المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام (٢).
ورووا ان المحلق كان ممن رفعه الشعر بعد الخمول ، وذلك أن الأعشى قدم مكة وتسامع الناس به ، وكانت للمحلق امرأة عاقلة ، وقيل بل أم ، وكان المحلق فقيرا خامل الذكر ، ذا بنات ، فأشارت عليه ، أن يكون أسبق الناس اليه في دعوته الى الضيافة ، ليمدحهم ، ففعل. فلما أكل الأعشى وشرب ، وأخذت منه الكأس ، عرف منه أنه فقير الحال ، وأنه ذا عيال ، فلما ذهب الأعشى الى عكاظ أنشد قصيدته :
أرقت وما هذا السهاد المؤرق |
|
وما بي من سقم وما بي معشق |
ثم مدح المحلق ، فما أتمّ القصيدة إلا والناس ينسلون الى المحلق يهنئونه ، والأشراف من كل قبيلة يتسابقون إليه جريا يخطبون بناته ، لمكان شعر الأعشى.
__________________
(١) تاريخ اليعقوبي ١ / ٢٦٢ ـ ٢٦٩.
(٢) المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام ٩ / ١٠٩ ـ ١١٣.