توجد عند حكماء كلّ أمّة مذكورة بالفضل فليس فيها شيء بديع من لفظ ولا معنى.
ـ والآخر : في شيء من الدّيانات ، وقد تهوّس فيه بما لا يخفى على متأمّل ، وكتابه الذي بيّنّاه في الحكم منسوخ من كتاب بزرجمهر في الحكمة ، فأيّ صنع له في ذلك؟ وأيّ فضيلة حازها فيما جاء به؟
فليس له كتاب يدّعي مدّع أنّه عارض فيه القرآن ، بل يزعمون أنّه اشتغل بذلك مدّة ثمّ مزق ما جمع واستحيا لنفسه من إظهاره. والله أعلم بالصواب.
وحكي أيضا أنّ يحيى بن حكم الغزّال بليغ الأندلس في زمانه ، المتوفى سنة ٢٥٠ ه ، رام شيئا من هذا فنظر في سورة الإخلاص ليحذو على مثالها ، وينسج بزعمه على منوالها. قال : فاعترتني منه خشية ورقّة ، حملتني على التوبة والإنابة (١).
وغيره ممّن عارض وطعن.
لذا نلاحظ أنّ الطعن في القرآن كان منذ القرون الأولى ، بل وفي عصر النبيّ ، إذ قال قومه : (إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ) (٢).
هذا ما حمل كثيرا من العلماء على الردّ على أولئك الزنادقة وشبههم ، ومنهم مؤلفنا في كتابه هذا ، وقام قبله بهذه المهمة أيضا ابن قتيبة ، حيث نجده يقول في كتابه «تأويل مشكل القرآن» :
«وقد اعترض كتاب الله بالطعن ملحدون ، ولغوا فيه وهجروا ، واتّبعوا ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ، بأفهام كليلة ، وأبصار عليلة ، ونظر
__________________
(١) راجع الشفاء للقاضي عياض ، ص ٢٧٥.
(٢) سورة المدثر : آيتين ٢٥ ـ ٢٦.