وأنه قول ضعيف ، وذكر في هذا الباب أمثلة.
منها : إن مالكا قال : أجمع الناس على أن سجود القرآن إحدى عشرة سجدة وليس في المفصل منها شيء ثم قال الشافعي : قد روي عن أبي هريرة أنه سجد في ( إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ ) وأن عمر بن الخطاب سجد في ( النَّجْمِ إِذا هَوى ) فقد نرى السجود في المفصل عن النبي صلّى الله عليه وسلّم ، وعن عمر ، وعن أبي هريرة. فليت شعري أيّ الناس من الذين أجمعوا على أن لا سجدة في المفصل! ثم بيّن أن أكثر الفقهاء ذهبوا إلى أن في المفصل سجودا.
ومنها : إن مالكا زعم أن الناس أجمعوا على أن لا سجدة في الحج إلاّ مرة واحدة ، وهو يروي عن عمر وابن عمر أنهما سجدا في الحج سجدتين. ثم قال الشافعي : وليت شعري من هؤلاء المجمعون الذين لا يسمّون؟ فإنا لا نعرفهم ولا يكلّف الله أحدا أن يأخذ دينه عمّن لا يعرفه.
ومنها : ما أخبرنا مالك عن أبي الزبير ، عن عطا بن أبي رباح ، عن ابن عباس : أنه سئل عن رجل واقع أهله وهو بمنى قبل أن يفيض ، فأمره أن ينحر بدنة. قال الشافعي : وبهذا نأخذ. وقال مالك : عليه عمرة وحجة تامة وبدنه. ورواه عن ربيعة وعن ثور ابن زيد عن عكرمة يظنه عن ابن عباس ، فإن كان قد ترك قول ابن عباس لرأي ربيعة فهو خطأ ، وإن تركه لرأي عكرمة فهو يسيء القول في عكرمة ، لا يرى لأحد أن يقبل حديثه. وهو يروي عن سفيان عن عطا عن ابن عباس خلافه. وعطا ثقة عنده وعند الناس. قال الشافعي : والعجب أنه يقول في عكرمة ما يقول ، ثم يحتاج إلى شيء من علمه يوافق قوله ، فيسميه مرة ويسكت عنه أخرى ، فيروى عن ثور بن زيد عن ابن عباس في الرضاع وذبائح نصارى العرب وغيره ، ويسكت عن ذكر عكرمة ، وإنما يحدثه ثور عن عكرمة ، وهذا من الأمور التي ينبغي لأهل العلم أن يتحفظوا منها.
فهذه حكاية بعض ما ذكره الشافعي في كتابه الذي وضعه على مالك.
ولقائل أن يقول : حاصل هذه الاعترافات ترجع إلى حرفين :
الأول : إن مالكا يروي الحديث الصحيح ثم إنه يترك العمل به ، لأن أهل المدينة تركوا العمل به ، وهذا يقتضي عمل علماء المدينة على خلاف قول رسول