وبالجملة : ملاحظة مجموع ما ورد في الزكاة من أدلة التشريع يقتضي الجزم بأن جعل الحق ثابت في الرتبة السابقة على الأمر بالإيتاء ، وإلّا فالأمر بإيتاء الإنسان ماله إلى غيره لا يقتضي بوجه ثبوت حق للغير في ماله كي يدعى أن الأمر بإيتاء الزكاة منشأ لثبوت الحق ، وقوله تعالى : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً ...)(١) يراد منها ما ذكرنا. ونسبتها إلى أموالهم يراد أن أصلها من أموالهم ، أو لأنها قبل الدفع لم تتعين زكاة ، إنما تتعين به.
ودعوى : أن الملكية من الأحكام الوضعية ، وهي منتزعة من التكليف مندفعة : بما تقرر في محله : من أن الانتزاع لو سلم فإنما هو في غير ما كان مثل الملكية والحقية ونحوهما ، مما أخذ موضوعا للأحكام الشرعية ، لامتناع انتزاع الموضوع من حكمه فراجع المسألة في الأصول.
وثالثا : بأن البناء على عموم حديث الجبّ يوجب تخصيص الأكثر إذ لا
__________________
ـ وإخبارا عن إعطاء حق الغير إليه ، وهو خلاف الظاهر. والأظهر ثبوت الحق بعد الأمر لا قبله وإنما الثابت قبله ملاك الحق لا نفسه ، فليس المقام من قبيل : «ادفع مال زيد إليه» بل من قبيل : «ادفع مالك إلى زيد» كما يدل عليه أو يؤيده : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً) ، وتأويل السيد الأستاذ مبني على الجزم الحاصل من الأدلة كما أشار إليه وهو محتاج إلى تأمل.
والعمدة في قوله هذا هو لازم تقدم الموضوع على حكمه في رتبة سابقة لكن لسان الأدلة في ذلك مختلفة كقوله : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً) ، فيمكن أن نقول : إن الزكاة عبارة عن مقدار من مال المكلف يجب دفعه إلى المستحقين.
(١) التوبة : ١٠٣.