لكن يدفع الإشكال المذكور : أن المراد من كون المدار على مقصود المتنازعين أن ينظر إلى مقصودهما ، فإن كان كل منهما مخالفا للأصل كانا متداعيين ، وإذا كان مقصود أحدهما موافقا للأصل ، ومقصود خصمه مخالفا للأصل كان أحدهما مدعيا والآخر منكرا ، سواء كان الأصل المثبت لأحدهما النافي للآخر. أو النافي لهما معا جاريا في أحدهما أم فيهما بلا واسطة ، أم كان جاريا بواسطة كما في الأصل السببي ، كما في المقام ، فإن اجرة المثل إذا كانت أكثر من الاجرة المسماة ، فالأكثر مما يثبته الأصل بالواسطة لأن أصالة عدم الإجارة تثبت اجرة المثل وإن كانت هي الأكثر ، لأن كل منفعة مستوفاة على وجه الضمان مضمونة باجرة المثل ، إذا لم تكن اجرة مسماة ، فيكون الضمان باجرة المثل ـ التي هي الأكثر ـ من آثار نفي الاجرة المسماة بالأصل. وليس المراد من كون المدار على مقصود المتنازعين : أنه لا بدّ من الاصول الجارية في نفس المقصود بلا واسطة ، يعني مع قطع النظر عن السبب وعن الأصل السببي الجاري فيه ، فإن ذلك مما لا مجال للقول به. لأن الأصل السببي إذا كان قد اجتمعت شرائط حجيته لم يكن وجه لطرحه بالإضافة إلى الأثر المسبب ، فيكون مدعي الأثر منكرا حينئذ. فلا مجال للإشكال على ما ذكره الجماعة من إطلاق : أن القول قول منكر الإجارة ، فإنه في محله على المذهبين. (المستمسك ج ١٢ / ١٥٦ إلى ١٦٠).
__________________
ـ وناقشنا هذا القول في كتابنا الأرض في الفقه : ص ١١٦ بأنه خلاف إطلاق لفظ المدعى والمنكر وما يشتق منهما فلاحظ.