بمباديها الاختياريّة وعن الاختيار ولا تنافي بين عدم إمكان تخلّفها عن ما تعلقت به وبين بقاء اختياريّة إذا تعلقت به كذلك كما لا يخفى ، فلا محذور عن صحة التّكلف وتعلقه بها.
إن قلت سلّمنا : أنّ الإرادة الإلهية والمشيّة الأزليّة تعلقت بصدور الافعال حتّى الكفر والعصيان عن المكلفين بالاختيار إلّا أنا ننقل الكلام في نفس الاختيار ونقول : هل هو اختياري أم لا؟ بمعنى أن مباديه من الإرادة ونحوها هل هي كلّها اختيارية ، أو تنتهي بالأخرة إلى ما لا بالاختيار؟ لا سبيل إلى الأوّل وإلّا لدار وتسلسل ، فتعين الثّاني وإذا كانت اختياريّة
الأفعال لا بدّ وأن تنتهي إلى ما لا يكون بالاختيار فكيف يصحّ التّكليف بها والمؤاخذة على مخالفته فيها؟
قلت سلمنا : أن اختياريّة الأفعال تنتهي بالأخرة إلى ما يكون بغير الاختيار إلّا أنا نقول : لا يلزم في صحّة التّكليف اختياريّة الفعل الذي تعلق التّكليف به على وجه يكون تمام مباديه اختياريّة ، بل يكفي في صحّة التّكليف به كونه على وجه يحسن أو يقبح فاعله العقل والعقلاء بحيث يستحق عندهم لاجله المثوبة أو العقوبة من المولى وإن كان بعض مباديه غير اختياري له ، وهذا المقدار موجود في بعض أفعال المكلفين قطعا ، وبالجملة لا يعتبر في اختياريّة أفعالهم أزيد ممّا هو موجود في أفعاله تعالى فإنه مختار فيها قطعا ، ولم يقل أحد بكونها غير اختياري له مع أن بعض مباديها من علمه وقدرته ووجود ونحوها غير اختياري قطعا ، وكما أن عدم اختياريّة بعض مبادي أفعاله غير قادح في اختياريتها له وأفعاله أيضا مختلفة بعضها على وجه يقبحه العقل والعقلاء كاثابته العاصي على معصيته وعقابه المطيع