على طاعته مثلا ، فيستحيل صدوره عنه لاستحالة صدور القبيح عن الحكيم ، وبعضها على وجه يحسنه العقل والعقلاء كاثابته المطيع وعقابه العاصي ، كذلك في عدم اختياريّة بعض مبادي أفعالهم لا يقدح في كون بعضها اختياريا لهم ، وهي في حقّهم أيضا مختلفة حسنا وقبحا كما عرفت ، فالملاك والمناط في اختياريّة الفعل مطلقا هو ما ذكرنا من كونه على وجه يقبّح أو يحسن العقل فاعله وإن كان بعض مباديه غير اختياري له وهذا المقدار موجود في حقه تبارك وتعالى وحق عبيده في بعض أفعالهم على السواء ، غاية الامر أن الفعل القبيح يمكن صدوره عن غيره ولا يعقل صدوره عنه سبحانه لأنه مناف لعلمه وقدرته وحكمته ، إلّا أن هذا الفرق غير فارق فيما نحن بصدده ، فيصحّ تكليف الكافر والعاصي وعقابهما ومؤاخذتهما على الكفر والمعصية لأجل صدورهما عنهما بالاختيار.
فإن قلت : لم تعلقت الارادة الإلهية باختيار الكافر والعاصي الكفر والعصيان وباختيار المطيع والمؤمن الاطاعة والايمان؟ هل هذه التّفرقة في الارادة جزافيّة ، أو لأجل جهة وعلّة؟ وما ذا يدعوهم على الكفر والايمان والاطاعة والعصيان بالاختيار لا بالاضطرار؟
قلت : قد عرفت أن الإرادة الّتي تكون عبارة عن العلم بالنّظام الأحسن لا تكون علّة لصدور المراد من أفعال العباد من الحسنات والسيّئات ، فلا محذور في تعلقها بها بما هي عليها من الخصوصيات من الشّرور والخيرات ، وأمّا الدّاعي لهم عليها فهو ذواتهم أو ذاتياتهم الحاصلة بمواطنة الطّاعات أو المعاصي ، فإنها مختلفة استعدادا واقتضاء لأجل كمالها وحسنها أو نقصانها وخباثتها ، واختلافهم فيها يصير منشأ لاختلاف أفعالهم خيرا وشرا حسنا وقبحا وليس على الله تعالى إلّا