القول في المسألة في مقامات ثلاثة.
المقام الأوّل : فالحقّ فيه وفاق لأهله هو القول بالإجزاء خلافا لما عن عبد الجبار وأبي هاشم ، إذ بعد موافقة الأمر في إطاعته بإتيان المأمور به على وجهه وبتمامه بأن يؤتى به مرّة أو مرّتين أو أكثر أداء أو قضاء إن تعلق الأمر به كذلك ، وهكذا سائر الجهات والخصوصيات المعتبرة فيه لا محالة يسقط الأمر ، وكذا الغرض الدّاعي عليه ، فلا يبقى حينئذ مجال لإطاعته ثانيا وأمر بها من المولى إلّا بأمر آخر ، ومعه يخرج عن محل الكلام ، فإن الإتيان به حينئذ يكون إطاعة أولويّة بالنّسبة إلى هذا الأمر ، ومحل الكلام هو أن الإطاعة الثّانويّة بعد فرض سقوط الأمر وغرضه هل يعقل فيبقى مجال لأن يقول الآمر لعبده الذي أتى بما أمره به على وجهه : أطعت وأتيت ولكن أطعني ثانيا. فلا يقتضي الإتيان بالمأمور به الإجزاء كما هو مختار بعض العامة ، أو لا يعقل ذلك فإنه من قبيل طلب تحصيل الحاصل وهو محال ، فإن طلب المحال أعني تحصيل الحاصل في المحال قبيح لا يصدر عن الحكيم العليم الذي كلامنا في كلامه ، فلا محيص من اقتضاء الإتيان بالمأمور به الإجزاء وهو المدعى. وبالجملة إذا فرض الآمر جاهلا بأن امتثال أمره لا يفي بتمام غرضه أمكن عدم الإجزاء حينئذ فللآمر بعد انكشاف الخلاف أن يأمر بأمثاله مرّة أخرى أو أكثر حسبما يفي بتمام غرضه ، وكذا إن فرض غير حكيم يمكن أن يصدر منه طلب إطاعته ثانيا أو أكثر ، إلّا أن كلامنا في كلام الحليم العليم تبارك وتعالى فلا بدّ فيه من الالتزام بالاقتضاء للإجزاء عقلا. نعم إذا لم يكن مجرد الامتثال والإتيان بالمأمور به على وجهه علّة تامّة لحصول الغرض الأقصى بأن يكون من مقدّماته كما لو أمر المولى بإتيان الماء ليشرب أو ليتوضأ فأتى به العبد ولم يشربه أو