لم يتوضأ به بعد فللعبد حينئذ تبديل الفرد المأتي به بفرد آخر أحسن بل مطلقا بدلا عنه لا منضما إليه ، فإن ملاك الأمر وحقيقته وروحه وهو حصول الغرض الأقصى باق ولم يسقط بعد ، ولذا لو أهرق الماء واطلع عليه العبد يجب عليه الإتيان به ثانيا ، كما إذا لم يأت به أولا ، ضرورة بقاء طلب الآمر ما لم يحصل الغرض الداعي عليه ، وإلّا لم يوجب حدوث الأمر أوّلا وإذا كان ملاك الأمر باقيا بعد فللعبد تبديل الفرد المأتي بفرد آخر كما كان له اختياره إذا لم يأت بالفرد الأوّل ، فإن سبب التّخيير وهو الأمر وإن سقط ، إلّا أن ملاكه باق بعد فسبب التّخيير من الأفراد باق بعد ، وأمّا لو كان الامتثال علّة تامّة لحصول الغرض تمامه كما إذا أمر المولى بإهراق الماء في فيه فاهرقه فيه ، فلا مجال حينئذ للتّبديل ولو لم يعلم أنه من أي القبيل فله أيضا التّبديل رجاء واحتياطا كما هو واضح ، ويؤيد ما ذكرنا بل يدّل عليه ما ورد في باب إعادة الصّلاة المأتي بها فرادى جماعة من انّ الله تعالى يختار أحبّهما إليه ، إذ يعلم منه أن إحدى الصّلاتين ذات مصلحة وليست في الأخرى مصلحة أصلا حتّى على وجه تقتضي الاستحباب وإلّا لم يكن وجه لاختيار أحبّهما ، بل لا بدّ حينئذ من اختيار كليهما ، فيعلم من هذا أن تمام الغرض لم يحصل بعد امتثاله فله تبديله بفرد آخر لعلّه يكون أحب وأفضل ، ولعلّه لأجل ما ذكرنا كان ديدن غير واحد من سلفنا الصالحين رضوان الله عليهم أجمعين على إعادة عباداتهم مرّة أو مرّتين أو أكثر بحسب ترقيات مراتبهم وكمالات أنفسهم الزّكية حيث أنّهم يحتملون حينئذ في كلّ مرّة حصول مرتبة من القرب إلى الله تعالى لم تحصل تلك المرتبة في المرّة الأولى ، ولا تكون إعاداتهم من باب الرّجاء والاحتياط ، فإنّهم قاطعون بكونها صحيحة مجزيّة حسب القواعد الفقهيّة ومع هذا أعادوها ، والظّاهر أنه لا وجه له