لفعل الآخر يلزم وجوب ترك الضّد إذا كان أحد الضّدين واجبا ، وليس وجوب ترك الضّد إلّا عبارة أخرى عن حرمة فعله. وعلى هذا الوجه فالنّزاع بين المثبتين والنّافين يكون مفرديا حيث أن مرجعه إلى أن ترك أحد الضّدين هل هو مقدّمة لفعل الآخر كي يقتضي وجوبه وجوبه أم لا كي يقتضي وجوبه وجوبه؟ ولمّا كانت عمدة الوجه عند القائلين باقتضاء الأمر النّهي عن الضّد الخاص الوجه الثّاني ينبغي تقديم مقدّمة يتعرض منها لبيان منشأ التّوهّم ، وفساده منقول وبابه الإستفائه إن نشأ بوهم مقدّميته ترك أحد الضّدين لفعل الآخر ليس إلّا ملاحظة وجود المعاندة والمنافاة والمنافرة والتّمانع بين فعليهما ، ومن الأمور الواضحة المعروفة إن عدم المانع من إجزاء المقتضى فيكون ترك أحد الضّدين مقدّمة لفعل الآخر ، ومنه أن حقيقة ما بين الضّدين من المنافرة والمعاندة والمطاردة والمنافاة لا تقتفي إلّا عدم إمكان اجتماع عينيهما في الوجود ، فيكون بين عين كلّ منهما مع ما هو بدليل الآخر ونقيضه ـ أعني عدمه الخاص لا عدمه المطلق ، ضرورة عدم التّناقض بين الشّيء وعدمه المطلق ـ كمال الملازمة ، وقضية هذا ليست إلّا إمكان اجتماعهما في الوجود عرضا وفي مرتبة واحدة ، فلم يكون ترك أحدهما مقدّما على الآخر ، طبعا ليست نسبة ترك أحدهما إلى عين الآخر إلّا كنسبة نقيض أحد المتناقضين إلى عين الآخر ، فإن المتناقضين وإن لم يمكن اجتماعهما ولا ارتفاعهما بخلاف الضّدين حيث يمكن ارتفاعهما إن كان بينهما ثالث ، إلّا أنّهما من جهة وجود المنافرة والمنافاة بين وجودي الضّدين والمتناقضين على السّوية ، وكما أن المنافرة والمنافاة بين المتناقضين لا تقتضي أزيد من اجتماع أحد المتناقضين مع نقيض الآخر من دون أن يكون تقدم طبيعي لأحد الجانبين كذلك المنافاة والمنافرة بين عيني الضّدين لا