صاحبه إلى التّرك أصلا ، نعم لو التفت إليه يلزمه عدم الرّضا به وكونه مبغوضا له من قبل تعلق الحبّ الشّديد والشّوق الأكيد إلى فعله ، لا إنّهما يحدثان في النّفس في مرتبة واحدة ، بل الثّاني يحدث فيها من ناحية الأوّل لأجل الملازمة ، وبالجملة الوجوب ليس إلّا مرتبة شديدة أكيدة من طلب الفعل القائم بالنّفس والطّلب الشّديد القائم بها ليس إلّا كالسّواد الشّديد ونحوه من الصّفات القائمة بالأجسام ، فكما أن السّواد الشّديد في الجسم ليس مركبا من أمر وجودي وعدم عدمه ، كذلك الطّلب الشّديد في النّفس ليس مركبا من طلب الفعل وطلب عدم عدمه ، غاية الأمر إنّ هذا قائم بالنفس وتلك قائمة بالأجسام ، وهذا الفرق غير فارق ، فالوجوب حقيقة مفهوم بسيط وكذا الاستحباب ، وهما مشتركان في طلب الفعل إلّا أن الأوّل مرتبة شديدة والثّاني مرتبة ضعيفة منه ، ولا تركب في شيء منهما ، نعم ربّما يقال في مقام تفسير المرتبتين وتعيينهما أن الوجوب عبارة عن طلب الفعل مع المنع من التّرك ، والاستحباب عبارة عن طلب الفعل مع الرّضا بالتّرك ويتخيل من ذلك أن كلا منهما مركب من الجزءين ، حيث أن ظاهر التّفسيرين كونهما حدين لهما فيكون المنع من التّرك والرّضا به من أجزاء الوجوب والاستحباب ومقوماتهما إلّا أن المراد ليس كذلك ، ولو فرض كونه كذلك ، ففيه ما عرفت من أنّهما من لوازم الوجوب والاستحباب وخواصهما بمعنى أن الأمر لو التفت إلى التّرك لا يكون راضيا به عند الإيجاب ويكون راضيا به عند الاستحباب ، وبالجملة مفهوما الإيجاب والتّحريم متقابلان ، الإيجاب مرتبة شديدة من طلب الفعل لا أنه مركب منه ومن تحريم تركه ، كما أن التّحريم مرتبة شديدة من طلب التّرك لا أنّه مركب منه ومن إيجاب تركه ، وإن كان كلّ منهما يستلزم الآخر بالمعنى المتقدم ، ولأجل هذه