أن يكلّف بالضّدين ويخاطب بكلا التّكليفين.
الأمر الثّاني : إن الجمع بين الضّدين في التّكليف بهما في العرفيّات كثير جدا ، كما يقول الوالد لولده اذهب إلى المكتب وإلّا فاقعد في البيت ، ولغيره عند غرق ولده وأخيه مع كون إنقاذ الولد أحبّ إليه وعدم القدرة على إنقاذهما أنقذ ولدي وإلّا فأنقذ أخي ، وهكذا الأمر بالضّدين على وجه التّرتب في العرفيّات فوق حدّ الإحصاء ، والوقوع أقوى شاهد على الإمكان ، فما ذكر وجها لاستحالته يكون من قبيل الشّبهة في مقابل البديهيّة.
ويندفع الأوّل : بأن وجه امتناع التّكليف بغير المقدور ليس إلّا كون الأمر بشيء بعثا إليه وترغيبا وتحريكا نحوه ، والآمر إذا كان حكيما وملتفتا إلى كون الفعل غير مقدور للمكلّف لا يبعثه نحوه بأمره به لكونه سفهيا ومن الواضح أن هذا الوجه لا يفرق فيه بين المقامين ، وما قرع سمعك من أن الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار فانما هو فما إذا تنجز التّكليف باجتماع شراشر شرائطه من القدرة وغيرها ، ثم جعل المكلّف نفسه بسوء اختياره غير قادر على امتثاله بترك مقدّمة من مقدّماته ، كما لو ترك المستطيع الخروج مع الرّفقة الخيرة إلى الحجّ ، فإنه حينئذ وإن امتنع على نفسه فعل الواجب إلّا أن امتناعه لما كان بسوء اختياره ، لا يمنع الاختيار بمعنى أنه حينئذ يستحق أن يعاقب ويؤاخذ على ترك الواجب وإن كان زمانه متأخرا عن زمان ترك المقدّمة لأن هذا عصيان للواجب عقلا ، وليس المراد أنّه لما كان عدم مقدوريته بسوء اختيار المكلّف ، فلا يصحّ أن يخاطب ويؤمر بإيجاده فعلا ، لكون هذا الخطاب والبعث إلى الفعل سفهيا لا يصدر من الحكيم الملتفت إلى محاليته ، فعدم منافات الامتناع بالاختيار للاختيار لا يفيد في المقام ، إذ المقصود