العصيان وعازم عليه شفقة منه عليه ومع التّجاوز ورفع اليد عنه لا محذور في الأمر بالضّد الآخر ، ولا يتوهّم أنّه على هذا المقدّميّة يلزم بطلان ما تجاوز الأمر عن الأمر به فيما إذا بدا للمأمور وأتى به لعدم الأمر به حينئذ ، وذلك لأنّه مشتمل على ملاك الأخير من الخصوصيّة الملزمة وهو كاف في اقتضائه في الصّحة ولذا يحسّنه العقلاء ويرحّب به المولى كما هو واضح ، وأمّا أن يكون الأمر الثّاني إرشادا إلى محبوبيّة متعلقة وبقائه على ما هو عليه من المصلحة والخصوصيّة الملزمة فعلا لو لا المزاحمة وإن الإتيان به يوجب استحقاق المثوبة وإن لم يذهب بها تمام ما استحقه من العقوبة على مخالفة الأمر الأوّل لما في متعلقه من زيادة مصلحة لازمة الرّعاية لأجلها صار واجبا تعيينا ، ضرورة أنّه لو كان مساويا للمأتي به في المصلحة أو كان المقدار الزّائد منها فيه على وجه يقتضي الاستحباب والفضيلة ، لكان أحد الواجبين تخييرا أو أفضلهما وحيث أن المفروض وجوبه تعيينا فالإتيان بغيره لنقصان مصلحته لا يوجب إلّا ذهاب بعض ما استحقه من العقوبة على مخالفة الأمر الأوّل ، فإن الحسنات يذهبن السّيئات ومع فرض كون الأمر الثّاني إرشاديّا لا مولويّا فعليّا كالأوّل لا محذور في الأمر بالضّد الآخر ، ولذا لو لم يأت بشيء من الضّدين فيما إذا كان مضيقين كما هو مفروض الكلام في المقام لم يستحق عقوبتين على مخالفة الأمرين ولا أظن أن يلتزم بهما العامل بالتّرتب لقبح عقاب العبد على ما لا يقدر عليه ، ولذا لم يلتزم بهما سيدنا الأستاذ «طاب ثراه» مع إصراره على تصحيح الأمر بالضّدين على نحو التّرتب ، وهذا أقوى شاهد على عدم صحة الأمر بالضّدين مطلقا وإلّا لم يكن وجه لعدم الالتزام باستحقاق العقوبتين على مخالفتهما.
وكيف كان ، دعوى أن جهة قبح الأمر بكلا الضّدين إذا فرضا عرضا ولم يكن