النسخ والتّخصيص ، بداهة أنّه كما يمكن أن يكون الخاصّ مخصّصا للعام بأن يكون موضوعه غير محكوم بحكم العام من أوّل الأمر إلى التّالي ، كذلك يمكن أن يكون العام ناسخا له ، وهل يرجح النّسخ على التّخصيص في كلّ مورد دار الأمر بينهما كما هو المعروف؟ نظرا إلى شذوذ النّسخ وقلّته في شريعة واحدة قطعا وشيوع التّخصيص جدا واشتهاره حتّى قيل : «ما من عام إلّا وقد خصّ» ، أو يرجح التّخصيص على النسخ لأن ظهور العام في العموم بالوضع وظهور المطلق أن كان واردا في مقام البيان بالإطلاق ومع وجود ظهور وضعي في مقابل المطلق لا يبقى له ظهور في الإطلاق لعدم تماميّة مقدّمات الحكمة حينئذ ، فلا تجري أصالة الإطلاق في مقابل أصالة العموم ، وإن شئت قلت : لأقوائيّة ظهور العام في العموم من ظهور إطلاق الخاصّ في الدّوام والاستمرار
ولا يتوهّم أن نسخ حكم العام ، وإن لم يكن تخصيصا لدليلة ، لأنّه في الحقيقة تقييد له ، إلّا أنّه يستلزم التّخصيص في مثل : حلال محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة ، ممّا دلّ على استمرار هذه الشّريعة المقدّسة ، لأنّ هذه العمومات أجنبيّة عن ما هو المراد في المقام ، لظهورها في أن هذا الشّريعة باقية إلى يوم القيامة بمعنى أن صادعها والمبعوث لتبليغها خاتم النّبيين صلوات الله عليه وعلى أوصيائه المعصومين في مقابل سائر الشّرائع ، حيث أنّها كان منسوخة بها ، لا في أنّ كلّ حكم ثبت فيها لا ينسخ إلى يوم القيامة ، فالمراد بها أن أحكام هذه الشّريعة من منسوخها وناسخها وغيرها لا تنسخ بشرعيّة أخرى ، بل باقية إلى يوم القيامة ، أو يفصّل بين الموارد بحسب خصوصياتها المكتنفة بها من القرائن الحاليّة أو المقاليّة الموجبة لأظهريّة أحدهما من الأخر دون القرائن الخارجيّة