أقصر سبله ، وبأوضح أساليبه. ووعت قصة الاستخلاف التي أثارت كل هذا الخلاف ، بما سبقها وما لحقها من المقدمات والخواتيم.
وكانت فوق هذا وذاك عظة جارية ، وحكمة هادية لمن أراد الهداية وشرح الله صدره وفجر في فؤاده ينبوع النور ، فلم يغفل الامام فيها أمرا جرت ألسن الناس بذكره إلا بينه. ولم يدع ثغرة ينفذ منها خصمه إلا سدها دونه وما من شيء كان معاوية يستطيع أن يحتال به ، أو يدعيه حجة تؤيد خلافه وتسند انحرافه الا مد له الامام معولا من سطورها ـ حديدا شديدا ـ يدمر باطله ويقوض معاقله ، كما قال الاستاذ السيد عبد الفتاح مقصود (١) :
وطوى جرير البيداء حتى وصل الى بلاط معاوية ، فانطلق يتكلم معه قائلا :
أما بعد يا معاوية فانه قد اجتمع لابن عمك أهل الحرمين وأهل المصرين (٢) وأهل الحجاز وأهل اليمن ، وأهل العروض وعمان وأهل البحرين واليمامة ، فلم يبق إلا أهل هذه الحصون التي أنت فيها ، لو سال عليها سيل من اوديته غرقها وقد أتيتك أدعوك الى ما يرشدك ويهديك الى مبايعة الرجل (٣)
ولما سمع معاوية ذلك خارت قواه وبقي مبهور النفس لم يفه بشيء ولكنه بقي يطاوله ، ويسرف في مطاولته لا يجد لنفسه مهربا سوى الامهال والتسويف ، وقد جمع في خلال تلك المدة وجوه أهل الشام وقادة الجيش فجعل يستشيرهم في
__________________
(١) الامام على بن ابي طالب ج ٤ ص ٢٧.
(٢) الحرمان : مكة والمدينة ، والمصران البصرة والكوفة.
(٣) وقعة صفين ص ٣٣