وقلع القوم الشجرة التي كانت تستظل بها فكانت تبكي مع ولديها في حر الشمس ، فقام أمير المؤمنين فبنى لها بيتا أسماه بيت الاحزان فكانت تجلس فيه وتبكي على أبيها وتناجيه وتبثه الشكوى.
وأحاطت بها الآلام ، وفتكت بها الامراض فلازمت الفراش ، ولم تتمكن من النهوض والقيام وبادرت نساء المسلمين يعدنها فقلن لها :
« كيف اصبحت من علتك يا بنت رسول الله؟. »
فرمقتهن بطرفها ، واعربت لهن عما تكنه في نفسها من الاسى قائلة « أجدني كارهة لدنياكن ، مسرورة لفراقكن ، القى الله ورسوله بحسرات منكن فما حفظ لي الحق ، ولا رعيت منى الذمة ، ولا قبلت الوصية ، ولا عرفت الحرمة. » (١)
وعدنها بعض نساء النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فقلن لها :
« يا بنت رسول الله ... صيرى لنا فى حضور غسلك حظا ... »
فأبت وقالت :
« اتردن أن تقلن في ، كما قلتن في أمي ، لا حاجة لي فى حضوركن »
وبرح المرض بابنة الرسول ، وانهك الحزن جسمها النحيل ، واضر الأسى بقلبها الرقيق المعذب ، حتى مشى إليها الموت وهي في فجر الصبا وروعة الشباب ... فوا لهفتاه على حبيبة النبيّ وريحانته ، لقد دنا إليها الموت سريعا ، وحان موعد اللقاء بينها وبين أبيها الذي اشتاقت إليه وتطلبت لقياه بفارغ الصبر.
__________________
(١) تاريخ اليعقوبي ٢ / ٩٥.