يحضروها فلما جيء بها إليه وضعها فى كفه وقال :
« ما ظن محمد بربه لو لقى الله وعنده هذه » (١)
ثم تصدق بها على فقراء المسلمين ، ولم يبق منها عنده شيء.
واستشف الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم من وراء الغيب أن امته من بعده سوف تنصب عليها الفتن كقطع الليل المظلم وتتوالى عليها الخطوب السود فترتد على اعقابها بعد الايمان ـ كما اخبر صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ فكبر ذلك وعظم عليه ، وزاد في حزنه وأساه وهو في ساعاته الأخيرة اطلاعه على المؤامرة الكبرى التي دبرت ضد وصيه وخليفته وباب مدينة علمه وذلك بتخلف القوم وتثاقلهم عن الالتحاق بسرية أسامة فرأى صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يسلك طريقا آخر يصون امته من الضلال ويحميها من الفتن والاخطاء فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم :
« ائتوني بالكتف والدواة ، اكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا .. (٢)
ما اعظمها من نعمة ، واغلاها من فرصة لو استغلوها وسارعوا الى تنفيذها وتحقيقها لوقوا انفسهم ووقوا الاجيال اللاحقة من الزيغ والانحراف ولكنهم حرموا أنفسهم السعادة ، وسدوا نوافذ الرحمة والهداية عليهم وعلى من يليهم من الاجيال ، فقد خدعتهم الدنيا وتهالكوا على الامرة وعلموا قصد الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وعرفوا غايته انه سيوصي بامير المؤمنين ويعزز بيعة يوم الغدير فتفوت بذلك أهدافهم وتضيع مصالحهم فانبرى إليه أحدهم بكل وقاحة
__________________
(١) مسند احمد ١ / ٣٥٥ وغيره.
(٢) الرواية اخرجها الطبراني فى الاوسط ، والبخاري ومسلم.