لقد ذكر الحسن في خطابه الرائع أهم النقاط الحساسة التي هي محور النزاع ومصدر الفتنة فأشبعها بالتفصيل وبين جلية الحال للجموع الحاشدة حتى لم يترك ثغرة ينفذ منها المتمردون إلا وسدها في وجوههم فأبان (ع) أن المختار للتحكيم إنما يتبع قوله ويكون رأيه فيصلا للخصومة فيما إذا حكم بالحق ولم يخضع للنزعات والأهواء الفاسدة ، وأبو موسى لم يكن في تحكيمه هذا خاضعا للحق بل اتبع هواه وميوله فرشح عبد الله ابن عمر للخلافة مع أن أباه كان لا يراه أهلها ولو كان يراه اهلا للخلافة لرشحه لها او جعله من اعضاء الشورى مضا الى أن الشرط الأساسي في الانتخاب هو أن يجتمع على المنتخب المهاجرون والأنصار ولم يحصل ذلك له ، وأعرب (ع) في خطابه عن مشروعية التحكيم الامر الذي أنكرته الخوارج مستدلا على ذلك بتحكيم النبيّ (ص) لسعد بن معاذ في بني قريظة ، ولو كان التحكيم غير مشروع لما ارتكبه الرسول الأعظم (ص).
وقام بعد الحسن عبد الله بن عباس فحمد الله واثنى عليه وقال :
« أيها الناس. إن للحق أناسا أصابوه بالتوفيق والرضا ، والناس بين راض به ، وراغب عنه وإنما سار أبو موسى يهدى الى ضلال ، وسار عمرو بضلال إلى هدى ، فلما التقيا رجع أبو موسى عن هداه ، ومضى عمر على ضلاله ، فو الله لو كانا حكما عليه بالقرآن لقد حكما عليه ، ولئن كانا حكما بهواهما على القرآن ، ولئن مسكا بما سارا به ، لقد سار أبو موسى وعلى إمامه وسار عمرو ومعاوية إمامه ».
ولما انهى خطابه أمر الامام عبد الله بن جعفر أن يخطب فتقدم عبد الله فصعد المنبر فقال :
« أيها الناس. هذا أمر كان النظر فيه لعلى. والرضا فيه الى غيره