الطهر لا يخلو من إشكال ونظر كما عرفت ، ولعل مراد من اشترط ذلك انه لا يحكم بحيضية الأسودين وان ما بينهما طهر إلا ان يكون الضعيف أقل الطهر ، فتأمل جيدا ، فإني لم أعثر على تنقيح لذلك في كلامهم ، والله أعلم ، ولعله لذلك ترك اشتراطه بعضهم كالمصنف وغيره لبداهة بعض ما يخرج به واستغنائه باشتراط عدم تجاوز أكثر الحيض عن بعض آخر ، وإمكان منع غيرهما ، فتأمل ، وربما اشترط بعضهم زيادة على ما تقدم عدم المعارضة بالعادة ، وكأن المصنف استغنى عنه لفرضه المسألة في المبتدأة ، كما انه استغنى بفرضه الاشتباه بالاستحاضة عن اشتراط عدم الخروج من الأيسر ، بناء على عدم خروج الحيض منه ، وكاستغنائه أيضا بفرضه المسألة في المتجاوز عن العشرة عن اشتراطه التجاوز في الرجوع للتمييز ، وكذا ما اشترط بعدم المعارضة بصفة أقوى ، فإنه ليس في الحقيقة شرطا للتميز أو الرجوع اليه ، لتحققهما مع المعارضة المذكورة ، لكنها ترجع إلى الأقوى على القول به كما ستسمع.
فنقول ان بعضهم اشترط في التمييز اختلاف الدم ، وكأنه مستغنى عنه ، لعدم تحقق التمييز بدونه ، ولا إشكال في التمييز بالنسبة إلى الصفات المستفادة من الأدلة المتقدمة سابقا في الحيض والاستحاضة ، لكن اعتبر بعضهم هنا التمييز مضافا الى ذلك بالرائحة ، فذو الكريهة حيض ، وفاقدها استحاضة ، ولم أعثر على ما يدل على ذلك ، نعم قيل انه تشهد به التجربة وبعض الأخبار العامية (١) وفي الاعتماد عليهما نظر ، اللهم إلا ان يفهم من الأدلة ان المدار على ظن الحيض ، ولعله لذلك اعتبر بعضهم القوة والضعف بالنسبة إلى الصفات المنصوصة ، فجعل الأسود قويا بالنسبة للأحمر ، والأحمر قويا بالنسبة للأشقر ، والأشقر قويا بالنسبة إلى الأصفر والأكدر ، والأصفر قويا بالنسبة للأكدر أيضا ، بل ربما اعتبر القوي بالنسبة الى غير اللون من
__________________
(١) كنز العمال ـ ج ٥ ـ ص ٩٧ ـ الرقم ٢٠٩٨.