بالعرض بالقدر الّذي يبحث فيه عن بياض الجسم كظاهرة طبيعية نريد أن نفسرها ونربطها بسائر الظواهر ، وهذا وظيفة العلوم الطبيعية. وثالثة : نتساءل عن المصداق الخارجي ، أي المدلول بالعرض ، ونريد أن نبحث عن كنهه وما هي حقيقة البياض وحقيقة الجسم وهل هما موجودان بوجود واحد أو بوجودين؟ وهذا بحث يدخل في ذمة الفلسفة الطبيعية التي استغنت عنها العلوم الطبيعية الحديثة. ورابعة : نتساءل عن ماهية البياض بما هي بقطع النّظر عن وجودها الخارجي ونبحث عن تعريفها المنطقي وتحليلها إلى أجزائها الذاتيّة من جنس وفصل ، ككون البياض كيفاً مبصراً ، وهذا بحث فلسفي من ذلك النوع وتطبيق لنظرية الحد والرسم من المنطق الصوري. وخامسة : نتساءل عن كنه المدلول بالذات للكلام بما هو مدلول بالذات له وحاك عن الخارج ، أي عن تحليله من زاوية بنائه الذهني. وكيف بنيت عناصره على نحو صار صالحاً للحكاية عن الخارج ومتطابقاً مع أجزاء الكلام ، فنحن هنا لا نطلب الحصول على التصور المناسب لمدلول الكلمة لكي نطلب ذلك من اللغة ، لوضوح انَّ الصورة الذهنية المناسبة لقولنا ( البياض في الجسم ) موجودة في ذهننا فعلاً بوصفنا من العارفين باللغة العربية ، ولا نطلب أي حقيقة خارجية عن البياض والجسم لنرجع إلى العلوم الطبيعية أو الفلسفة الطبيعيّة ، ولا نريد أن ندرس كنه الوجود الذهني لهذه الصورة التي أثارها هذا الكلام في نفسنا وتشخيص ماهيّتها في نفسها لترجع إلى الفلسفة الإلهية بالمعنى الأعم ، ولا نريد أن نعرف ماهيّة من الماهيات حسب نظرية الحدّ والرسم في المنطق الصوري. وانَّما نريد أن نعرف عناصر هذه الصورة الذهنية وتركيبها بالقدر الّذي يتيح لنا تفسيرها بما هي متطابقة مع الكلام تطابق المدلول مع داله. ومع الخارج تطابق المدلول بالذات للمدلول بالعرض على النحو الّذي يجعله صالحاً للحكاية عنه والانطباق عليه ، فمثلاً هل الصورة الذهنية الموجودة في ذهننا فعلاً عند سماع جملة البياض في الجسم مكونة من عنصرين أو من ثلاث عناصر؟ وحينما نشكل جملتين إحداهما تامّة والأخرى ناقصة وهي متطابقة في عنصري البياض والجسم معاً فنقول ( بياض الجسم ) و ( ابيضَّ الجسم ) فما هو العنصر الّذي تتميّز به إحدى الصورتين الذهنيّتين عن الأخرى فجعل هذه تامّة وتلك ناقصة؟ ويمكن أن نطلق على ذلك انَّه