البحث في فلسفة اللغة لأنَّه بحث تحليلي في مدلول اللغة بما هو مدلول بينما الفلسفة الاعتيادية تبحث في تحليل الشيء بما هو لا بما هو مدلول. ويدخل في هذا النطاق بحث الحروف والهيئات.
وعلى هذا الأساس نستطيع أن نقسم البحث في مدلول اللفظ إلى قسمين :
الأول : بحث لغوي اكتشافي ـ تحديدي ـ وهو البحث عن تعيين مدلول اللفظ بغية أن يصبح ذهننا قادراً على الانتقال إلى الصورة الذهنية المناسبة عند سماع اللفظ. وهذا بحث يغير من واقع ما يجري في الذهن ، فالأجنبي عن اللغة العربية بعد أن يتعلّم هذه اللغة تحصل في ذهنه عند سماع قولنا ( البياض في الجسم ) صورة لم تكن تحصل قبل ذلك.
الثاني : بحث فلسفي تحليلي لمدلول اللفظ بما هو مدلول ، أي للصورة الذهنية بهذه الحيثية. وهذا بحث لا أثر له على واقع ما يجري في الذهن ولا يوصل إلى صورة جديدة بسبب سماع الكلام ، لأنَّ الفهم اللغوي له مكتمل سابقاً وانَّما هو مجرّد تحليل.
وقد لاحظ علماء الأصول : أن في كلّ من هذين البحثين قصوراً على مستوى الممارسات العملية له. أمَّا البحث الأول ، فهو وإن كان من وظيفة علماء اللغة إلا انَّ جملة ممَّا يدخل في هذا المجال لم تف بحوثهم بتوضيحه إمَّا لغفلتهم عنه بسبب عدم صلته بالأغراض العملية المحدودة التي تستهدفها علوم اللغة ، وهي أغراض لا تزيد على حاجة الإنسان العرفي في مقام التعبير عادة من قبيل دلالة صيغة الأمر على الوجوب إثباتاً ونفياً ، إذ اكتفي اللغويّون ببيان دلالتها على الطلب دون توضيح خصوصيّات الطلب. وإمَّا لأنَّ المسألة ليست مرتبطة بمجرّد نقل موارد الاستعمال عند العرب وانَّما هي بحاجة إلى عناية واجتهاد ، كالبحث عن دخول الزمان في مدلول الفعل أو شمول المشتق لما انقضى عنه المبدأ.
وأمَّا البحث الثاني ، فلم تكن له أيّ ممارسة جادة قديماً حيث كانت الفلسفة وقتئذٍ متّجهة إلى تحليل حقائق الأشياء الذهنية والخارجية بما هي أشياء لا بما هي مدلولات للكلام ولما أحسّ الأصوليّون بهذا النقص كان هذا الإحساس سبباً تدريجيّاً لمحاولات تنامت على مرّ الزمن لسدّ هذا النقص وملأ شيء من هذا الفراغ.