في عدّة مسائل منها ـ إمكان إرجاع القيد إلى الهيئة في الواجب المشروط ، وبذلك كان هذا البحث التحليلي في مدلول اللغة يشكّل ـ إثباتاً ونفياً ـ عنصراً مشتركاً في عملية الاستنباط. وسيأتي ـ تفصيل الكلام عن ذلك في موضعه المناسب.
وفي ضوء ذلك نعرف : أن البحوث الأصولية في دلالات الألفاظ تنقسم إلى قسمين : أحدهما : بحوث تحليلية. والآخر : بحوث لغوية تحديدية. غير أنَّ المزيد من التعميق والتدبّر في هذه البحوث اللغوية وتقييمها يكشف على ما سيأتي إن شاء الله تعالى : ان جلّ البحث فيها تفسيري وليس لغويّاً.
وبهذا يظهر فارق جوهري بين دور الأصولي في بحث تلك المسائل ودور علوم اللغة. ولنضرب مثالاً لتوضيح الفكرة ، وذلك بالبحث عن دلالة صيغة الأمر على الوجوب ، فانَّ هذه المسألة وإن طرحت في علم الأصول في البداية وكأنَّ المطلوب حقيقة التفهم على مدلول الصيغة والتوصّل إلى ما يفهمه العرف منها ، ولكنَّها بالتدريج لم تعد كذلك ، وأصبح من المتسالم عليه انَّها تدلّ على الوجوب ، وإنَّما البحث في تفسير هذه الدلالة. فهل هي دلالة بالوضع ، أو بالإطلاق ومقدمات الحكمة ، أو بحكم العقل والعقلاء؟ وهو بحث تفسيري تترتّب عليه ثمرات في الفقه ، لأنَّ التعامل مع الدلالة في مورد التعارض والتقديم والتخصيص ونحو ذلك يختلف باختلاف نوع الدلالة وبهذا اكتسب البحث الأصولي عمقاً واحتاج إلى أساليب دقيقة في مقام إثبات المطلوب في هذه المسائل ، بينما لا يحتاج تشخيص المدلول العرفي النهائيّ على إجماله إلى بحث معمّق على هذا المستوى لأن المعتمد فيه بصورة رئيسية هو الانسباق والفهم العرفي العام.
وعلى هذا الأساس ، نستطيع أن نصنّف الاتجاه في الأبحاث اللغوية الأصولية إلى اتجاهين :
الأول : اتجاه تفسيري ، وهو ما شرحناه. ومنهج هذا الاتجاه ان تجمع في البداية كلّ الدلالات العرفية المتّصلة باللفظ المبحوث عنه وبعد التأكد من عرفيتها وسلامتها يبحث عن تفسيرها ، ويكون التفسير ناجحاً بالقدر الّذي يستطيع أن يقدّم نظرية لتفسير تلك الدلالات جميعاً دون أن يلزم نقض أو تنثلم دلالة ، وهذا نهج علمي يشبه النهج العلمي الّذي يمارسه العالم الطبيعي في تفسير ظاهرة طبيعية بكلّ آثارها