إنها بيع فاسد ، وقوله تعالى (١) ( إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ ) عام إلا ما أخرجه دليل ، وما يوجد في عبارة جمع من متأخري الأصحاب من أنها تفيد اباحة ، وتلزم بذهاب أحد العينين ، يريدون به عدم اللزوم في أول الأمر ، وبالذهاب يتحقق اللزوم ، ولامتناع إرادة الإباحة المجردة عن أصل الملك ، إذ المقصود للمتعاطيين إنما هو الملك فإذا لم يحصل كانت فاسدة ، ولم يجز التصرف في العين ، وكافة الأصحاب على خلافه ، وأيضا فإن الإباحة المحضة لا تقتضي الملك أصلا ورأسا فكيف يتحقق ملك شخص بذهاب مال آخر في يده ، وإنما الأفعال لما لم تكن دلالتها على المراد في الصراحة كالقول ، وإنما تدل بالقرائن ، منعوا من لزوم العقد بها ، فيجوز التراد ما دام ممكنا فمع تلف أحد العينين يمتنع التراد ، فيتحقق اللزوم لأن إحداهما في مقابل الأخرى.
ويكفي تلف بعض احدى العينين لامتناع التراد في الباقي ، إذ هو موجب لقبض الصفقة والضرر ، ولأن كون إحداهما في مقابل الأخرى ونحو ذلك كلامه في المحكي من تعليقه على الإرشاد ، فنزل عبارة الأصحاب على أنها تفيد ملكا متزلزلا وجعله مقتضاها قال : وإلا لما لزمت بالتلف ، وأيضا فلولا ذلك لم تحصل الإباحة لأن المقصود للمتعاطيين إباحة مترتبة على ملك الرقبة كسائر البيوع فان حصل مقصودهما ثبت ما قلناه ، وإلا وجب أن لا تحصل إباحة بالكلية ، بل يتعين الحكم بفساد ذلك ، إذ المقصود غير واقع ، فلو وقع غيره لوقع بغير قصد وهو باطل ، وعليه يتفرع النماء وجواز وطئ الجارية بالمعاطاة ومن منع ذلك فقد أغرب ، ومما يرشد إلى ما قلناه مضافا إلى ما تقدم عبارات القوم فان بعضها كالصريح فيما قلناه.
__________________
(١) سورة النساء الآية ٢٩.