ثم أطنب في المناقشة في الآية بدعوى اشتراك لفظ « أنى » بين معنى « أين » ومعنى « كيف » الذي لا يدل عمومه على تعدد الأمكنة ، بل تعدد الهيئة الشاملة لإتيانهن من قبل أو دبر في القبل ، كما ورد (١) في سبب النزول ، والمشترك لا يحمل على أحد معنييه بدون قرينة ، والقرينة هنا إما منفية عن هذا المعنى أو موجودة في الجانب الأخر ، وهي الحرث المقتضى للزرع ، وقوله تعالى ( وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ ) (٢) فإن المراد منه على ما قيل طلب الولد ، وقوله تعالى (٣) ( فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ ) فإن آية الحرث وقعت بعدها كالمبينة لها ، وأما ما ورد في سبب نزولها من فعل عمر ذلك (٤) « وأنه جاء الى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقال : هلكت فنزلت » فمعارض بما روي (٥) من « أن سببه الرد على اليهود » ، وكلاهما مروي من طرق العامة ، ويزيد الثاني أنه مروي من طرق الخاصة كما سمعته في صحيح معمر (٦) وحمل المشترك على معنييه كما وقع للطبرسي فقال : « المعنى أين شئتم وكيف شئتم » ليس مرضيا عند المحققين.
وفيه أن المصرح به في كلام أئمة اللغة أن « أنى » للمكان ، فاستعمالها في غيره مجاز ، لا اشتراك ، وعلى تقديره فعموم الاشتراك عملا بالقرينتين غير ممتنع ، بل هو المتجه كما سمعته من الطبرسي ، لحصول القرينة ، بل تعددها على كل منهما ، هذا إن لم نقل : إن عموم الكيفية يقتضي التعميم في المكان كما مر ، على أن المكان هو مطلق بالنسبة إلى الكيفية ، وخبر معمر مع موافقته للعامة معارض بما في خبر ابن أبي يعفور بناء على إرادة الاستدلال بالآية فيه على ذلك ، لا على أن المراد بقوله تعالى ( مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ ) الولد ، والحاصل من تأمل ما في المسالك هنا وجد فيها مجالا للنظر.
وأغربه أنه مع أطنابه خرج من المسألة بلا حاصل ، مع أنه لا محيص للفقيه
__________________
(١) الوسائل الباب ـ ٧٢ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ١.
(٢) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٢٣.
(٣) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٢٢.
(٤) سنن البيهقي ج ٧ ص ١٩٨.
(٥) سنن البيهقي ج ٧ ص ١٩٤.
(٦) الوسائل الباب ـ ٧٢ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ١.