وعلى كل حال فما عن بعضهم ـ من أن الأصل العدد وإنما يعتبر الآخران عند عدم الانضباط به ـ واضح الضعف ، مع أنه لم نتحقق القائل به ، ضرورة ظهور النصوص والفتاوى في كونها علامات مستقلة ، كل واحدة أصل برأسها ، وأنها كغيرها من العلامات مطردة غير منعكسة ، فلا ينتفي التحريم بانتفاء أحدها ما لم ينتف الآخران ، أو أن الأصل الإنبات والآخران علامتان له على الوجه الذي عرفته ، ولعله الأقوى في النظر.
نعم ينبغي أن يعلم أن المدار في التحريم بالأثر استقلال الرضاع في حصوله على وجه ينسب اليه ، فلو فرض تركيب غذاء الصبي منه ومن السكر مثلا على وجه الامتزاج بمعنى أنه يرتضع الرضعة الناقصة فيكمل غذاءه بالسكر فيكون التغذي والإنبات والاشتداد منسوبا إليهما أشكل ثبوت التحريم به ، للأصل بعد عدم صدق النسبة ، اللهم إلا أن يدعى أنهما وإن امتزجا في المعدة ، إلا أن لكل منهما أثرا مستقلا ، فيصدق على كل منهما أنه أنبت لحما وشد عظما ، فيتحقق التحريم حينئذ إلا أنه كما ترى. نعم قد يدعي ذلك فيما لو فرض استقلال الرضاع بالغذاء في وقت والسكر في وقت آخر ، كأن يرتضع بالنهار مثلا ويتغذى باللبن وبالليل يتغذى بالسكر ، مع أنه أيضا لا يخلو من إشكال ، لعدم العلم بصدق النسبة اليه وتحققها وإن استمر على هذا العمل ، والأصل الحل ، وربما يومئ اليه ما تسمعه من النصوص على عدم النشر بالعشر إذا كن متفرقات بعد حصره الرضاع المحرم بالذي أنبت.
وكيف كان فللعلم بالأثر طريقان : ( أحدهما ) الرجوع الى قول أهل الخبرة ، كما نص عليه جماعة ، لأن تعيين الموضوع لا يتوقف على الشرع ، نعم يعتبر فيه شروط الشهادة من الايمان والعدالة والعدد ، فلا حكم للواحد وإن أفاد الظن واكتفى به في مثل المرض المبيح للفطر والتيمم ، لأن المدار فيه على مطلق الظن ، بخلاف المقام المعتبر فيه العلم أومأ يقوم مقامه ، نعم قد يأتي على قول المفيد والديلمي بالاكتفاء بشهادة الامرأة الواحدة في الرضاع قبول الواحد من باب الشهادة ، ولكنه شاذ.