النكاح مجازا في العقد والوطء جميعا لأنه مأخوذ من غيره ، فلا يستقيم القول بأنه حقيقة لا فيهما ولا في أحدهما.
ويؤيده أنه لا يفهم العقد إلا بقرينة ، نحو نكح في بني فلان ، ولا يفهم الوطء إلا بقرينة نحو نكح زوجته ، وذلك من علامات المجاز ، وإن قيل : إنه غير مأخوذ من شيء ، فيترجح الاشتراك ، لأنه لا يفهم واحد من قسميه إلا بقرينة ، وفيه أن من قال بالأخذ فإنما يقول بكونه حقيقة في عرف اللغة فيهما أو في أحدهما ، ولا ينافي التجوز باعتبار أصله ، على أن لزوم التجوز إنما يسلم إن لم يكن إطلاقه على الوطء من جهة كونه ضما واختلاطا ومخامرة وغلبة والتقاء وهو ممنوع.
وعلى كل حال فقد عرفت أن المشهور كونه للوطء لغة ، كما أن المشهور كونه للعقد شرعا ، بل عن ابن إدريس نفي الخلاف فيه ، بل عن ابن فهد والشيخ والفخر الإجماع عليه ، لغلبة استعماله فيه ، حتى قيل : إنه لم يرد لفظ النكاح في الكتاب العزيز بمعنى الوطء إلا في قوله تعالى (١) ( حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً ) بل قيل : إنه فيها بمعنى العقد أيضا ، واشتراط الوطء إنما علم من دليل آخر ، نعم ، في المصابيح للعلامة الطباطبائي الظاهر أن النزاع في المسألة مبني على الخلاف المشهور في الحقيقة الشرعية ، فعلى القول بالثبوت يكون النكاح حقيقة في العقد مجازا في الوطء ، وعلى العدم يكون الأمر بالعكس ، والقول بثبوت الحقيقة الشرعية في لفظ النكاح خاصة دون سائر الألفاظ كالصلاة والصوم والزكاة وغيرها على ما يوهمه الإجماع المنقول مع بعده في نفسه غير معروف ولا منقول عن أحد ، مع أن الظاهر كون الدعوى هناك نفيا وإثباتا على الوجه الكلي ، وأن النافي للحقيقة الشرعية يدعي السلب الكلي ، وثبوتها في لفظ النكاح أعني الإيجاب الجزئي يناقضه.
قلت : هذا حاصل كلام الأصحاب في المقام ، لكنه إن لم يتحقق الإجماع لا يخلو من بحث ، ضرورة استعمال لفظ النكاح المقابل للسفاح قبل الشرع ، نحو
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ الآية ٢٣٠.