والإقتداء بالأنبياء ) ، (١) ويقول أيضاً : ( وأما العاطل عن خاصية الذوق فيشارک في سماع الصوت وتضعف فيه هذه الآثار ، وهو يتعجب من صاحب الوجد والغشي ، ولو اجتمع العقلاء کلهم من أرباب الذوق على تفهيمه معنى الذوق لم يقدروا عليه ... ). (٢)
إن الذي يتتبع کلمات الغزالي يجده يمتدح الطريقة الصوفية ، ويذم الطريقتين الکلامية والفلسفية ، ومما يشهد على ذلک قوله في الصوفية : ( إني علمت يقيناً أن الصوفية هم السابقون لطريق الله تعالى خاصة ، وأن سيرتهم أحسن السير ، وطريقتهم أصوب الطرق ، وأخلاقهم أزکى الأخلاق ، بل لو جمع عقل العقلاء ، وحکمة الحکماء ، وعلم الواقفين على أسرار الشرع من العلماء ، ليغيروا من سيرهم وأخلاقهم ويبدلوه بما هو خير منه ، لم يجدوا إليه سبيلاً ، فان جميع حرکاتهم وسکناتهم في ظاهرهم وباطنهم ، مقتبسة من نور مشکاة النبوة ، وليس وراء نور النبوة على وجه الأرض نور يستضاء به ). (٣)
وقال في خصمائهم : ( ووراء هؤلاء قوم جهال هم ينکرون لأصل ذلک المتعجبون من هذا الکلام ويسخرون ويقولون : العجب ! إنهم کيف يهتدون وفيهم قال الله تعالى : ( وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِندِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَٰئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ ) ، (٤) فأصمهم وأعمى أبصارهم ، ومما بان بالضرورة من ممارسة طريقهم « حقيقة النبوة وخاصيتها » ولابد من التنبيه على أصلها لشدة مسيس الحاجة إليها ). (٥)
ويعتبر الغزالي الکشف إدراک وجداني مباشرة يتجاوز حدود العقل ، فيعبر عنه بقوله : ( وراء العقل طور آخر تنفتح فيه عين أخرى يبصر بها الغيب وما سيکون في
ــــــــــــــــ
١. أبو حامد الغزالي ، إحياء علوم الدين ، ج ١ ، ص ٢٠.
٢. أبو حامد الغزالي ، مشکاة الأنوار ، ص ٧٨.
٣. أبو حامد الغزالي ، المنقذ من الضلال ، ص ٥٠.
٤. محمد ، ١٦.
٥. أبو حامد الغزالي ، المنقذ من الضلال ، ص ٥١.