المستقبل وأمور أخرى العقل معزول عنها ) ، (١) وقد اثبت الغزالي قدرة الإنسان على الکشف بدليلين (٢)
الأول : عجائب الرؤيا الصادقة ، فإنه ينکشف بها الغيب ، وإذا جاز ذلک في النوم فلا يستحيل أيضاً في اليقظة ، فلم يفارق النوم اليقظة إلا في رکود الحواس وعدم اشتغالها بالمحسوسات ، فکم من مستيقظ غائض لا يسمع ولايبصر لاشتغاله بنفسه.
الثاني : إخبار رسول الله ٩ عن الغيب وأمور في المستقبل کما أشتمل عليه القرآن.
خلاصة الکلام
وينبغي أن يلتفت إلى أننا لسنا في صدد تبيين کل ما جاء به الغزالي في الموضوع ، غاية الأمر أن غرضنا منه هو بيان موقف الغزالي من هذا الأسلوب من حيث الإيجاب والسلب ، وقد تبيّن لنا کيف اعتبر الغزالي هذا النمط من طرق المعرفة أوثق الطرق في کشف حقائق الأمور بعد ما ناقش الطريقين الأولين ، واعترض عليهما من جهة تشويه الحقيقة فضلا عن بيانها ، وبهذا القدر نکتفي من نقل کلامه فيه ، وعليه نقول : إن اعتماده على هذا الطريق دون غيره من الطرق الأخرى بعدما طالعها وحققها ، وکتب في ردها ، هو شوقة لطلب الحقيقة بعد ما مر بمرحلة الشک التي أصابته في مرحلة من حياته ، خصوصاً وأنّ والده کان عاشقاً للطريقة الصوفية ، حتى أنّه أوصى به بعض أصدقائه من الصوفية ، فطالما کان يسمع عن حکايات العرفاء والمتصوفة في زمانه ، فدفعه ذلک الشوق لطلب معرفة الحقيقة عن طريقهم ؛ لأنه كان يرى أن الحقيقة لا يمكن الوصول إليها إلاّ عن هذا الطريق مع ما فيه من الصعوبات والعقباب المهلکة والمنهکة للنفس والبدن في حال عدم مراعاة قواعد السير والسلوک ، فکثيراً ما عبر عن بعض أهل هذا الطريق بالمغرورين ، فکان الغزالي يصف لنا شوقه إلى معرفة الحقيقة بما يلي : ( وقد کان التعطش إلى درک
ــــــــــــــــ
١. المصدر السابق ، ص ٣٥.
٢. أبوحامد الغزالي ، إحياء علوم الدين ، ج ٢ ، ص ٢٥.