الدنيا ، وقد تم وقوع الأخير « الدنيا » فضلاً عن إمکانه ، والأول « الآخرة » مثله ، وعليه يکون حکمهما واحداً في الإمکان والامتناع والوجوب ، وبما أن عالم الدنيا ممکن بالإمکان الخاص ، فعالم الآخرة کذلک لقاعدة حکم الأمثال التي ذکرنا نصها قبل قليل ، هذا من جهة العقل ، وقد يناقش فيه من جهة أن هذا يثبت الإمکان الذاتي لا الإمكان الوقوعي ، وأما من جهة النقل ، فقد قال : ( لأن السمع دل على إمكان المماثل ) ، (١) والشارح ـ العلامة الحلي ـ حمل کلامه على إرادة قوله تعالى : ( أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَىٰ وَهُوَ الخَلاَّقُ الْعَلِيمُ ). (٢)
وصحيح أن البحث في المعاد الجسماني ، أي في کيفية المعاد في القيامة الکبرى ، ولکن ما لم يثبت في المرحلة الأولى مکان وزمان العود لا تصل النوبة إلى البحث عن کيفية المعاد في ذلک المکان والزمان ، وأن ثبوت يوم المعاد يتوقف على إمکان وجود علم آخر يعاد فيه الناس جميعاً ، وعلى عدم إمکان ذلک ؛ وکيفية هذا المعاد تتعلق بطبيعة ذلک العالم الذي يکون محلا للحشر والنشر ؛ ولذا جعل الخواجة وغيره من الباحثين في هذا الباب من العقائد هذه المسألة قبل بقية المسائل الأخرى المرتبطة في هذا البحث ، ولا يمکننا غض النظر عنه ما دامت له هذه الأهمية على باقي المسائل الأخرى.
وقد أثبت الخواجة نصير الطوسي إمکان هذا العالم بطريقتين :
أحدهما : الطريق العقلي ، وذلک من جريان قاعدة حکم الأمثال فيما يجوز وفيما لا يجوز واحد ، کما مر ذکره آنفا.
الآخر : عن طريق النقل ، وقد ذکر له الآية الشريفة من سورة « يس » التي مر ذکر نصها قبل قليل في بداية هذه المسألة.
ويمکن أن يناقش في کلا الدليلين من عدة جهات ومنها :
ــــــــــــــــ
١. تحقيق السبحاني ، کشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد العلامة الحلي ، قسم الإلهيات ، ص ٢٤٣.
٢. يس ، ٨١.