برفات عظام الإنسان فسحقها وفتتها أمام الرسول الأکرم ٩ قائلاً له : من يحي العظام وهي رميم ؟ فأتاه بالجواب الإلهي عن ذلک : ( وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ * الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ * أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَىٰ وَهُوَ الخَلاَّقُ الْعَلِيمُ ) ، (١) فالآية في سياق بيان القدرة الإلهية ، وکون المعاد الذي لابد منه جسمانياً ، لعلمه بکل شيء وقدرته المطلقة ، وعليه تکون هذه الآية الکريمة من أدلة إمکان معاد الإنسان لا من أدلة إمکان خلق عالم آخر جديد مثل هذا العالم بتمامه.
رابعاً : حتى لو سلمنا بعود الضمير على السموات والأرض ، فقد تکون إرادة المولى القدير متعلق بإظهار صفة وطبيعة المعادين في اليوم الآخر ، بکونه معاداً جسمانياً کما هم عليه في عالم الدنيا ، فالمماثلة تکون متعلقة بهذه الجهة والحکم ، لا في صدد جريان جميع الأحکام والصفات.
خامساً : لو سلمنا أنه لم تکن هناک ثمة مخالفة صريحة للنصوص الشرعية ، ولکن يبقي شيء ، وهو أن المولى قد يکون مريداً من ذکر خلق السموات والأرض توجيه المعترض إلى مسألة عمومية وإطلاقية قدرته سبحانه وتعالى کما أشار إلى ذلک في قوله تعالى : ( لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) ، (٢) وأنه سبحانه وتعالى عالم الغيب والشهادة لا يعزب عنه مثقال ذرة لا في السموات ولا في الأرض ، کما أشار إلى ذلک بقوله تعالى : ( قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ ) ، (٣) وقوله : ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِن ذَٰلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ) (٤) وغيرها من
ــــــــــــــــ
١. سورة يس ، ٧٨ ـ ٨٠.
٢. غافر ، ٥٧.
٣. ق ، ٤.
٤. سبأ ، ٣.