تحقيقها للمسائل الفلسفية والدينية ، نريد أن نرى هل الرؤية الکونية الفلسفية المشائية متوافقة مع الرؤية الکونية الدينية الإسلامية أو لا ؟ هذا ما سنستظهره من خلال توضيح المنهج العلمي المتبع في مسائل هذه الفلسفة ، ومن خلاله أيضاً نستطيع معرفة النسبة بين النظرتين ، هل هي على نحو التساوي ، أم على نحو الخصوص والعموم من وجه ، أو على نحو الخصوص والعموم مطلقاً ، أو على نحو التباين الکلي ؟ وقد يتساءل البعض لماذا ؟ وما هي الفائدة من معرفة ذلک ؟
نقول في جوابه بنحو الاختصار : هناک من يرى أنّ الفلسفة المشائية على طرف النقيض من الدين الإسلامي ، بل يرى أنّ أصولها وقواعدها لم تکن مؤيدة من قبل الدين الإسلامي ، وما هي إلا نتاج الفکر الغربي المخالف لما جاء به الإسلام ، فلذا رأى البعض (١) من الواجب الشرعي أن يحاربها أشد المحاربة بشتى الأساليب والوسائل الممکنة ، وتکفير من يتبع نهجها ، دراسة وتطبيقاً ، وما دام الأمر هکذا فينبغي علينا أن نسلط الضوء على بيان منهجها العلمي بالشکل الذي يساعدنا عليه هذا البحث.
أقول : نحن لا ننکر امتداد جذور هذه المدرسة المشائية إلى مفکري اليونان القدماء ، وقد ذکر الأستاذ السيد کمال الحيدري في کتابه دروس في الحکمة المتعالية ما هذا لفظه : ( فإن جذور المدرسة المشائية إلى سقراط وتلميذه إفلاطون وأرسطو ... ) ، (٢) وقد عرف أرسطو بالمعلم الأول لهذه المدرسة ؛ باعتبار أنّه أول من صاغ أسسها في قالب علمي ومنطقي دقيق ، الذي عبر عنه بالمنطق الأرسطي ، وقد امتازت طريقتهم في التفکر بعدة خصائص ومنها (٣) :
ــــــــــــــــ
١. راجع : أبو حامد الغزالي ، کتاب تهافت الفلاسفة ، العلامة المحدث بحار الأنوار ، محمد باقر المجلسي ، ج ٧ ، ص ٤٧ ـ ٥٤.
٢. راجع : أبو نصر الفارابي ، کتاب الجمع بين رأيي الحکمين ، ص ٢ ، ٤ ؛ حنا الفاخوري ، تاريخ الفلسفة العربية ، ود. خليل الجر ، ص ٣٨٤ ، ٣٨٥ ؛ کمال الحيدري ، شرح بداية الحکمة ، ج ١ ، ص ٣٥.
٣. کمال الحيدري ، دروس في الحکمة المتعالية ، شرح بداية الحکمة ، ج ١ ، ص ٣٥.