لا يراعوا المطابقة ولا المخالفة ، فإما أن يقصروا على المجاهدة والتصفية فيقال لهم الصوفية ، وإما أن يکتفوا بمجرد النظر والبيان والدليل والبرهان فيقال لهم : المشاؤون ، فإن عقولهم في المشي الفکري ، فإنّ النظر والفکر عبارة عن حرکة من المطالب إلى المبادئ ، ومن المبادئ إلى المطالب ، ... ). (١)
وقد اختلف المنهج المتبع من قبل ابن سينا عن المنهج العام الذي امتازت به المدرسة المشائية في تقصي الحقائق ومعرفتها وإثباتها ، وذلک بإعطاء المنهج الذوقي الکشفي دوراً في معرفة الحقائق الوجودية إلى جانب المنهج العقلي السائد عليها. (٢)
نعم نحن لا ننکر اعتقاد الشيخ في استقلالية المنهج العقلي في إثبات الحقائق الوجودية ، ولکن في کتابه المعروف بالإشارات أشار إلى أنّ المذهب الذوقي العرفاني يمکن أن يکون أحد الطرق في إدراک الحقيقة ، حتى ادعى البعض أن الشيخ الرئيس ينبغي أن يعد من فريق الباطنية المعتقدين ، بالکشف والشهود ، وخروجه عن فريق المعتقدين بالمنهج العقلي الاستدلالي ، (٣) وليس هذا بصحيح ، وکذلک لا يمکن عد الفلسفة السينوية فلسفة مستقلة عن الشريعة الإسلامية على نحو النقيض أو الضد ، بل إن هذا التصور ليس بصحيح عن الفلسفة السينوية الإسلامية ؛ باعتبار أنها اتسمت بسمة الإسلام ، فلا يمکن لأصحابها أن يفصلوا بينها وبين الأفکار التي جاء بها الإسلام ، فإنّ الأساس الذي ينطلق منه هؤلاء الحکماء هو أنهم کانوا معتقدين : ( إن الشريعة الحقة صادرة عن مبدأ العقل ، إذ يستحيل مناقضتها لقضايا العقل الضرورية أو القريبة من الضرورية ، کما يستحيل مخالفة العقل لقضايا الشريعة الحقة بصفتها صادرة عن مبدأ العقل ). (٤)
ــــــــــــــــ
١. عبدالهادي السبزواري ، شرح الأسماء الحسني ، ص ٢٣٤.
٢. راجع : نصير الدين الطوسي ، کتاب شرح الإشارات ، النمط التاسع في مقالات العارفين ، ص ٣٦٣ فما بعد.
٣. راجع : محمد عابد الجابري ، نحن والتراث ( قراءات معاصرة في تراثنا الفلسفي ) ، ص ٨٧.
٤. السيد کمال الحيدري ، کتاب شرح بداية الحکمة ، ص ٣٨.