عدّه البعض أنه أول من لقب بلقب فيلسوف العرب ، (١) وأول من أخذ بالمذهب المشائي في الإسلام ، وکان للمعرفة عنده طريقان ؛ طريق العقل وطريق الوحي ، وکلاهما يوصلان إلى الحقيقة الواحدة ، والجدير بالإشارة أنّه لم يکن على مذهب واحد ، بل کان في بعض الأحيان ينتهج المنهج الأفلاطوني ، وأخرى منهج الفيثاغوريين ، والکندي هو الذي ساعد على انتشار الفلسفة بين المسلمين من خلال مراسلة المعتصم بالله العباسي ، يبيّن فيها شرافة هذا العلم ووجوب تعلمه من قبل المسلمين ، ومن جملة ما جاء في هذه الرسالة ما هذا نصه : ( الفلسفة علم بحقائق الأشياء على قدر طاقة البشر ... ) ، (٢) وکان ظهوره في الوقت الذي يرى فيه علماء الإسلام ، ومنهم المتکلمون ، والمحدثون والفقهاء ضلالة وکفر الفکر الفلسفي آنذاک. (٣)
ولکن الذي يطالع التاريخ الفلسفي الإسلامي المختص بالفلسفة المشائية ، فإنه يرى ظهوراً بارزاً لعلمين من أعلام الفلسفة الإسلامية لم يضاهه ظهور آخر لغيرهما في هذا اللون من التفکر البشري القائم على أساس المنهج العقلي المحض ؛ وهما المعلم الثاني المعروف بأبي نصر الفارابي ، والشيخ الرئيس أبو علي سينا ، وقد أسهم هذان العلمان البارزان في تطوير الفکر الفلسفي الإسلامي لکثير من أصوله الفلسفية حتى امتاز عن الفلسفة الأم اليونانية ، بالشكل الذي جعل لها الاستقلالية عن الفلسفة الأرسطية القديمة ، وسائر الفلسفات الغربية التي ترجمت إلى اللغة العربية ، وأهم مميز لهذه الفلسفة المشائية الإسلامية ، هو استنادها في إثبات مطالبها على أساس المنهج العقلي المحض ، وکان هو الطابع المعروف عنها ، وقد قال عنها الحکيم السبزواري ما هذا لفظه : ( ... إن المتصدين لمعرفة حقائق الأشياء إما أن يبحثوا بحيث يطابق الظاهر من الشريعة في الأغلب فيقال لهم : المتکلمون ، وإما أن
ــــــــــــــــ
١. المصدر السابق ، ص ١٢٩.
٢. حنا الفاخوري ، وخليل الجر ، تاريخ الفلسفة في العالم الإسلامي ، نقلاً عن رسائل الکندي الفلسفية ، ص ١٠٤.
٣. راجع : کتاب تهافت الفلاسفة ، بحار الأنوار ، ج ٧ ، ص ٤٧ ـ ٥٤.