للجاه أو الترفع فيها والرياسة على الأقران ، فإنها إذا فارقت البدن نزعت إليها وإلى استعمال القوى التي بها کانت تنال الشهوة الرياسة والإخلاد إلى الأرض ، وأني يکون لها ، وقد بطلت القوى والآلات وحيل بينها وبين الشهوات ؟ کقوله تعالى : ( وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُّرِيبٍ ) ، (١) فهي بذلک حليفة غصة وعذاب أليم ، ورفيقة فجيعة ومحنة وغم ، إلا أن هذا الخطب أهون من عذاب الجهل المضاد للعلم ؛ لأن العادات قابلة للزوال بخلاف العقائد الراسخة ، ( وَمَن كَانَ فِي هَٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلاً ) ). (٢)
المبحث الخامس :
في نفوس المتوسطين ، فقد وصفهم بکمال العمل دون العلم ، أو المتوسطين فيهما ، فقال : ( وأما الکاملون بالعمل کالزهاد والعباد فهم أصحاب اليمين ، وسعادتهم دون سعادة العلماء البالغين ، ذوى ملکات شريفة ، وهم ( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَٰئِكَ المُقَرَّبُونَ ) ، (٣) وقد يخالط لذات المتوسطين شوب من لذات المقربين بقدر تفطنهم بالعلوم الحقيقية ، کما أشير إليه حيث قال الله تعالى في شرب الأبرار : ( يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ * خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ المُتَنَافِسُونَ * وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا المُقَرَّبُونَ ) ، (٤) وأولئک من أهل العروج إلى مشاهدة الحق الأول ، وأما الأبرار فيتلذذون ). (٥)
ثم قال : ( وأما أهل التوسط في العلم والعمل جميعاً ، فيستفاد أحوالهم من أحوال ذوى الأطراف ، فلهم مقامات بحسب العلم والعمل ، ولهم بحسب زلتهم توقف في المواقف وانتظار في الحساب والسؤال حتى يلحقوا إلى السعادة أحد الفريقين ). (٦)
ــــــــــــــــ
١. سبأ ، الآية ٥٤.
٢. الإسراء ، الآية ٧٢.
٣. الواقعة ، ١٠ ، ١١.
٤. المطففين ، ٢٥ ـ ٢٨.
٥. مجموعة رسائل فلسفي ، رسالة أجوبة المسائل الکاشانية ، ص ٣٢.
٦. المصدر السابق ، ص ٣٣ ، ٣٤.