وبعدما بين هذا الأمر ذکر أن الحکماء عجزوا عن تبيين کيفية سعادة أهل اليمين وکذلک الأشقياء فقد جاء في جملة ما ذکر ، قوله : ( وأما کيفية سعادة أهل اليمين ، فالحکماء عن آخرهم لم يتيسر لهم الإطلاع على أحوال السعداء الذين لم ينقطع لهم التعلق بجرم من الأجرام ، وکذا الأشقياء الذين کانوا بازائهم ، فطائفة منهم اضطروا إلى القول بأن نفوس البله والصلحاء والزهاد تتعلق في الهواء ، بجرم مرکب من بخار ودخان يکون موضوعاً لتخيلاتهم لتحصل لهم سعادة وهمية ، وکذلک لبعض الأشقياء تکون فيه شقاوة وهمية ، وطائفة أخرى زيفوا هذا القول بأن ما هو منه الهواء لا يبقى فيه اعتدال يقبل به نفساً ، لتحرک الهواء السحابي بأدنى سبب وما هو منه قريباً من کرة الأثير فتحيله بسرعة إلى جوهرها ، وإن کانوا دونه في الهواء ، فأما أن يتخلخل [ يتحلل ] بحرٍّ أو يتکاثف ببرد ، فينزل [ فنزل ] وليس فيه جرم محيط يغلب عليه اليبس ليحفظ عن التبدد ويصدّ غيره من الامتزاج معه ، ويتعين فيه ما هو محل التخيل متشکلاً کجوهر الدماغ ؛ إذ لابد من جوهر ذي يبوسة للحفظ ، ورطوبة للقبول ، وصبوبوا القول بکون جرم من الأجرام السماوية موضوعاً لتخيلات طوائف من السعداء والأشقياء ؛ لأنهم لم يتصور لهم العالم العقلي ، ولم ينقطع علاقتهم عن الأجرام ، وهم بعد بالقوة التي احتاجت النفس بها إلى علاقة البدن ). (١)
ثم بعد ذلک حاول تبيين صاحب هذا القول ، قائلاً : ( والشيخ الرئيس نقل هذا القول من بعض العلماء ، والظاهر أنه أبو نصر الفارابي ، ووصفه بأنه قول من لا يجازف في الکلام ، واستحسنه ، وکذا صاحب التلويحات صوب هذا الرأي في غير الأشقياء ، وأما الأشقياء فليس لهم عنده قوة الارتقاء إلى عالم السماء ذوات نفوس نورانية وأجسام شريفة ، والقوة تحوجهم إلى التخيل الجرمي ، فذکر أنه ليس بممتنع أن يکون تحت فلک القمر وفوق کرة النار جزم کروي غير منخرق ، وهو نوع بنفسه ،
ــــــــــــــــ
١. نقله صدرالمتألهين في رسالته المذکورة في کتاب مجموعه رسائل فلسفي ؛ تحقيق وتصحيح حامد ناجي أصفهاني ، رسالة أجوبة المسائل الکاشانية ، ص ٣٤.