ويکون برزخاً بين العالم الأثيري والعنصري موضوعاً لتخيلاتهم فيتخيلون من أعمالهم السيئة مثلاً خيالية من نيران ، وحيات تلسع وعقارب تلدغ ، وغير ذلک ، وقال تأکيداً لهذا الرأي : إني لست أشک لما اشتغلت به من الرياضات أن الجهال والفجرة لو تجردوا عن القوة الجرمية مذکرة لأحوالهم ، مستتبعة لملکاتهم وجهالاتهم مخصة لتصوراتهم نجوا إلى الروح الأکبر ). (١) انتهى. (٢)
ثم أردف قائلاً : ( وإني لأتعجب من هؤلاء الأفاضل المشهورين بالحکمة والمعرفة کيف تحيروا واضطربوا في أمر المعاد حتى رضيت أنفسهم هذا القول السخيف ، إذ لا يخفى على الرجل المتدرب في الصنايع الحکيمة أن کون الجسم سماوياً أو عنصرياً موضوعاً لتخيل نفس إنسانية أو مرآة لمشاهدتها صور الأشياء ، لا يستتم إلا بأن تکون لها معه علاقة ذاتية أو وضعية بتوسط ما هو لها معه تلک العلاقة الذاتية ، والعلاقة الذاتية التي تتصور لجوهر نفساني صوري مع جرم تام الصورة الکمالية غير عنصري لا يمکن أن يتصرف فيه متصرف بالتحريک والتصوير إلا صورته الحاصلة له بالإبداع لا من جهة الهيئة والاستعداد ، وأي جسم يکون موضوعاً لتخيل نفس من النفوس فلابد أن يکون بسببه يخرج من کمالات تلک النفس من القوة إلى الفعل في الحرکات المناسبة للتخيلات ، والفلک لا يتحرک إلا حرکة واحدة متشابهة وضعية حسب حرکاته النفسانية من جهة مدبر نفساني متسببه في تحريکاته بجوهر عقلي کامل بالفعل ، وإلاّ لم يکن لتعلقها به فائدة ، وذلک بأن تتصرف النفس في مادته ويحرکها ويخرجها من القوة إلى الفعل ). (٣)
أقول : وهذا التصوير والاعتراض عليهم مبنى على التسليم بوجود نفس لهذه الأجرام السماوية ، کما هو عليه مشهور الفلاسفة وليس محل بحثه هنا من حيث الإثبات والنفي ، ولکن الذي أوقع هؤلاء القائلين بهذا النحو من الرأي يرجع إلى
ــــــــــــــــ
١. المصدر السابق ، ص ٣٥ ، ٣٦.
٢. المصدر السابق ، ص ٣٧.
٣. المصدر السابق ، ص ٣٤ ـ ٣٧.