الحالة الأولى أو إلى الوضع الأول الذي يصير إليه الإنسان بعد الموت ، وانفصل عنه قبل الحياة الأخرى ) ، (١) فقوله : ( أو الوضع الأول الذي يصير إليه الإنسان بعد الموت ) صريح في الروحاني.
٢. لقد تبيّن لنا من خلال الدراسة التاريخية لهذه المسألة عبر القرون الماضية ، أن الکيفية الغالبة عند الناس في مختلف المجتمعات بعد ثبوت الإيمان والاعتقاد بأصل المسألة ، أنها کيفية جسمانية للروح والبدن ، وقد استکشفنا ذلک من مجموعة القرائن التي هيئتها لنا مجموعة الآداب والرسوم التي يعدّونها للميت ، ومن جملتها کيفية دفنه ، ووضع المال والطعام والشراب إلى جانبه ، واهتمامهم الکبير بإجراء مراسيم خاصة له بعد الدفن ، وضع القبر وما يتعلق به ، وغيرها ، وأما بالنسبة لمجموعة الديانات القديمة کديانة البراهمة ، والبوذية ، والزرادشتية ، فإنها هي الأخرى تعتتقد بوجوب ووجود المعاد والحساب ، ولکن البعض منها يراه في الدنيا ما لم تتزکَ وتتهذب النفس وتنفک عن مجموعة التعلقات الدنيوية ، کما عليه الديانات الهندية ، بينما الزرادشتية تراه في عالم آخر ، ونشأة أخرى ، أما بالنسبة للديانة اليهودية والمسيحية ، فکانت هي الأخرى تؤمن بوجوب أصل المسألة عدا فرقة صغيرة من فرق اليهود التي تدعى بفرقة الصدوقيين ، فإنها وإن آمنت به ولکنها تراه معاداً دنيوياً اجتماعياً ، بمعنى إعادتهم للسلطة والسيطرة مرّة أخرى ، واختلفت اليهودية والمسيحية بينهما من حيث الکيفية ، فالذي جاء في المسيحية يتناسب مع القول بأن المعاد روحاني ، على عکس من يؤمن منهم بالجسماني ، وهم فرقة الفريسيين ، والحق أن هذا الاعتقاد على مافيه من اختلاف ناشيء من خلط الأفکار السماوية بالأفکار البشرية ، الذي أدى إلى هذا الحد من الاختلاف في کونه روحانياً ، أو جسمانياً ، أو کونه في الدنيا ، أو الآخرة ، فإنّه يکشف لنا عن وجود أمرين أساسيين :
ــــــــــــــــ
١. نقلاً عن : عاطف العراقي ، النزعة العقلية في فلسفة ابن رشد ، بهامش ص ٢٩٣.