الناطقة وبناءً على النظر الصدرائي من عدم انفکاکها بشکل مطلق عن جميع مراتب البدن ، فإنه لا إشکال في کون ما قدمه ملا صدرا من دليل عقلي على إثبات المعاد الجسماني ، وأما في حالة عدم جواز التأويل لهذه النصوص الصريحة في الجسماني ، على ما يراه الفيلسوف من معنى للجسم ، وحمل الجسم على المعنى الذي يفهمه عامة الناس منه ، وهم کونه بالجسم المادي کما هو عليه في الدنيا ، فعندئذ لا تثبت العينية التي قال بها ملا صدرا من جميع الجهات ومنها هذه الجهة العنصرية ، وعليه يکون ما جاء به ملا صدرا حقاً في إثبات عقلانية المعاد الجسماني ، بمعنى إمکان تعقل هذه المسألة من قبل الإنسان العاقل بهذا النحو الذي توصل إليه صدرالمتألهين ، الذي يعد في الواقع أکبر إنجاز حقق في بحث هذه المسألة المعضلة التي ترکت العقول صرعى والأفکار حيارى.
هذا بالنسبة إلى الدليل الذي أقامه ملا صدرا على إثبات المسألة ، وأما بالنسبة إلى ما ذکره في جواب شبهات المعاد الجسماني ، فإنها کانت تمثل أقوى أجوبة بالنسبة للأجوبة التي طرحت من قبل علماء الإسلام ، فلاسفة ومتکلمين في ردّها ، وخصوصاً شبهة الآکل والمأکول ، وأما بالنسبة إلى ما ذکره في مسألة تقسيم الناس المحشورين في ذلک اليوم الحق إلى مجموعة أصناف تتفاوت فيما بينها في الدرجات والدرکات ، وکل بحسب مرتبة کماله الوجودي الذي وصل إليه عن طريق العمل والاعتقاد ، فإنّه لا إشکال عليه ، وإن کنا نراه اعتمد في تصنيفهم على أساس الخطوط العريضة ، وإلاّ فإن لکل فرد من هذه الأفراد حشراً خاصاً به يتناسب والمرتبة الکمالية التي بلغها في علمه وعمله ، ولقوله تعالى : ( وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا ) ، (١) ولقوله تعالى : ( فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) ، (٢) هذا بالإضافة إلى الحشر الجماعي ، وکلا القسمين أشار إليهما
ــــــــــــــــ
١. الأحقاف ، ١٩.
٢. يس ، ٥٤.