ومما ينبغي الإشارة إليه أن تکامل الفلسفة الدينية کان في القرون الوسطى مع آثار موسى بن ميمون ( ١١٣٥ م ـ ١٢٠٤ م ) ، ويعتبر هذا الرجل حکيم مدينة القاهرة والمرجع الفقهي لليهود ، وقد حظى باحترام جميع اليهود المنتشرين في الأرض ، وذلک لتبحره العميق في المعارف الدينية اليهودية ، وقد نقل لنا الدکتور ظاظا عن موسى بن ميمون إنه يقول : ( أنا أومن أيماناً کاملاً بقيامة الموتي ، في الوقت الذي تنبعث فيه بذلک إرادة الخالق تبارک وتعالى ذکره الآن ، وإلى أبد الآبدين ) ، (١) ويعده الدکتور شختر أنسب فرد دوّن عقائد اليهود ، (٢) وکيف کان فإن کلام موسى بن ميمون حول القيامة لم يکن واضحاً بالشکل المطلوب ، إلا أنّه يعتقد بالقيامة والآخرة ويعتبرها من أصول الدين ، ويعد المنکر لها خارجاً عن دين اليهود ، وعندما طلب منه معاصره « حسداي هلوي » أن يوضح له هذه العقيدة ، فأنه أجابه : بأنه لا طريق لمعرفتها بالعقل ، بل طريقها الوحيد هو الإيمان بها ، وقد کتب فيها رسالة خاصة يوضح فيها هذه العقيدة ، طالما کان يکرر قوله بأنه لا تضاد بين عدم بقاء النفس مع مسألة الإيمان بالآخرة لا يمکن إثباتها بالدليل العقلي في الوقت الذي اعتبرها من الأصول الأساسية للديانة اليهودية. (٣)
لو سلمنا بدلالة ظاهر ما وجدناه من نصوص توراتية على الحساب والأجزاء ، فإنه لا يتناسب والبعثة النبوية لموسى ٧ ، سواء کان على ما نزل في الألواح أو غيرها هذا من جهة ، ومن جهة أخرى لا يتوافق مع ما نعتقده نحن المسلمون من غرض الدعوة والبعثة النبوية ، باعتبار أن موضوع الآخرة من أهم المواضع الأصولية لکل ديانة إلهية ؛ لما لها من دور مهم بالنسبة إلى باقي الأصول الأخرى وکذلک دورها الکبير في بناء شخصية إنسانية متکاملة ، ودورها البارز في تحقيق
ــــــــــــــــ
١. نقلاً عن : د. حسن ظاظا ، الفکر اليهودي الإسرائيلي أطواره ومذاهبه ، ص ١٥٦ ، ١٥٧.
٢. لاحظ : حسين توفيقي ، انتظار مسيحا در آينه يهود ، ص ٩٤.
٣. المصدر السابق ، ص ٩٤.