والمتأخرين ، مع تفاوت في بعض مراتبها وقواها ، فقد ذهب بعضهم إلى عدم تجردها والبعض الآخر إلى تجردها کما بينا ذلک في محله ، کما ذهب إلى هذا الرأي بعض متکلمي الإسلام ، وأما مفسرو الإسلام فقد ذهب أغلبهم إلى القول بتجردها اعتماداً على جملة من الآيات الشريفة الصريحة فيه ، ويکاد يکون هذا القول محل اتفاق بينهم.
رابعاً : ما يتعلق ببحث الأصول الموضوعة لهذه المسألة ، فقد ذکرنا منها أربعة أصول وکانت نتيجتها ، أن النفس جوهر مجرد ، لا تفسد بفساد البدن العنصري الدنيوي ، وأنها تشکل الجنبة الثالثة في الإنسان بالإضافة إلى الجنبتين الأُخريين وهما الجسم الطبيعي العنصري والجسم المثالي ، وتارة يعبر عنها بالروح ، فيقال إن للإنسان جسماً طبيعياً وجسماً مثالياً وروحاً مجردة ، وأنها قابلة للتکامل الصعودي عن طريق الحرکة الجوهرية التکاملية الاشتدادية التي قال بها صدرالمتألهين ، کل ذلک تم بيانه في المسألة الخامسة من هذا الفصل ، فراجع.
خامساً : وأخيراً فيما يتعلق بمسألة الفرق بين البحث الکلامي والبحث الفلسفي في تحقيق المسائل المعرفية ، فقد أتضح لنا أنه هناک فرق بين البحث الکلامي والبحث الفلسفي من ثلاثة جهات ؛ الجهة الأولى : من حيث الهدف ، وقد تبين لنا أن هدف الفلسفة هو الکشف عن الحقيقة والواقع وتمييز الحق عن الباطل وهدف الکلام هو الإقناع والتبکيت للمقابل ، والجهة الثانية : من حيث الطريقة والأسلوب ، وتبين لنا أنه في الفلسفة يتم عن طريق إقامة البراهين والأقيسة المنطقية ، وفي الکلام عن طريق الجدل والبرهان العقلي في بعض الأحيان ، وأما الجهة الثالثة : من حيث الوظيفة ، فوظيفة الکلام هي البحث عن الموجود المطلق على أساس الشرع ، والدفاع عن الدين عن طريق رفض المزاعم وردّ الشبهات وإثبات المزاعم الشرعية له ، وأما وظيفة الفلسفة فإنها تجعل من الموجود المطلق وأحکامه العامة موضوعاً لدراستها ، وعليه فالنسبة بين الوظيفتين العموم والخصوص من وجه.