الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا المُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الخَالِقِينَ * ثُمَّ إِنَّكُم بَعْدَ ذَٰلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ ) ، (١) وغيرها من الآيات الأخرى.
قوله تعالى : ( خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ) ، يمکن حمل الضمير فيها على خصوص خلقة آدم ٧ ، لشهادة قوله تعالى : ( إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ) ، (١) کما أنه يمکن حمله على أساس أصل تکون الإنسان ، کما هو ثابت في الأبحاث الحياتية العلمية ، حيث إن الإنسان نتيجة أکله لمجموعة من المواد الغذائية ، ونتيجة مروره بمجموعة فعاليات ، تتولد منه مجموعة من الخلايا المعمة في بناء وبقاء جسمه بالإضافة لتکون خلايا النطف الخاصة ببقاء النوع الإنساني عن طريق اتحادها مع بويضات المرأة التي هي الأخرى أيضاً متکونة من مجموعة غذائية في داخل جسم المرأة ، کما هو مبين في محله.
ومن المعنى المشهور للنطفة بين أهل اللغة يمکن حمله على المائين الذکري والأنثوي ؛ إذ کلاهما يمتاز بميزة الصفاء کثرت مادته أو قلّت. (٢)
ولکن الذي يهمنا هنا هو کيفية الاستدلال بهما على إمکان المعاد الجسماني ، کما بيّن الحق تعالى في کل واحد منهما ، وقد استفاد السيد العلامة هذا المعنى من ظاهر سياق الآيتين ، حيث قال : المراد من البعث إحياء الموتى والرجوع إلى الله سبحانه وتعالى ، وهو ظاهر ... إلى أن قال : ظاهر السياق أن المراد لنبين لکم أن البعث ممکن ونزيل الريب عنکم ، فإنّ مشاهدة الانتقال من التراب الميت إلى النطفة ثم إلى العلقة ثم إلى المضغة ثم إلى الإنسان الحي لا تدع ريباً في إمکان تلبس الميت بالحياة ، وذلک وضع قوله : لنبين لکم ( في هذا الموضع ولم يؤخره إلى آخر الآية ). (٣)
ــــــــــــــــ
١. المؤمنون ، ١٢ ـ ١٦.
٢. آل عمران ، ٥٩.
٣. لاحظ : الزبيدي ، تاج العروس ، ج ٦ ، ص ٢٥٨ ؛ الفراهيدي ، العين ، ج ٧ ، ص ٤٣٦ ؛ ابن منظور ، لسان العرب ، ج ٩ ، ص ٣٣٥ ؛ محمد عبد القادر ، مختار الصحاح ، ص ٣٤٠.
٤. الميزان في تفسير القرآن ، ج ١٤ ، ص ٣٧٧.