بجلال الدولة وأقربهم منزلة منه ، فلما أفتى بهذه الفتوى انقطع عن جلال الدولة ولزم بيته خائفا. وفي ذات يوم استدعاه جلال الدولة فلبس وهو موقن بالهلاك ولكن جلال الدولة أكرمه وعظمه وقال له فيما قال : إني أعلم بأنك ما قلت وما فعلت إلاّ مرضاة للّه والحق ، وأنك أعز لدي من الجميع (١).
لقد شجع البويهيون الروح الأدبية وعضدوا مدرسة بغداد التي كان قد اضمحل شأنها في أثناء تدهور الخلافة ، وحفروا الجداول وهيؤوها للملاحة حتى مدينة شيراز فأزالوا بذلك خطر الفيضانات الدورية التي كان تغمر المناطق ، كما شيد عز الدولة مستشفى فخما وفتح عدة كليات في بغداد.
وقال الغناوي في كتاب (الأدب في ظل بني بويه) :
امتاز عهد آل بويه بالخصب العلمي والأدبي بتأثيرهم الخاص أو بتأثير وزرائهم ، ذلك أنهم استوزروا أبرع الكتاب وأبرزهم ، واعتمدوا عليهم في تدبير شؤون الحرب وأمور السياسة والإدارة والمال جميعا ، فلمعت أسماؤهم وعظمت هيبتهم وطار صيتهم في الآفاق فقصدهم أهل العلم والأدب فأفادوا منهم كثيرا وأنتجوا كثيرا في ميدان الأدب والفلسفة والعلم ، فكان أثرهم في الحياة الفكرية قويا جدا.
ويقول الدكتور حسين أمين :
قد لا أكون مغاليا إن قلت إن العصر البويهي هو العصر الذي بلغت فيه الحياة الثقافية العربية الاسلامية ذروتها ، حيث سمت الآداب نثرا وشعرا
__________________
(١) الكامل في التاريخ ٨ : ٢٢٧ ـ ٢٢٨.